الجزائر المهووسة بتقسيم المغرب ترهن اتحاد المغرب العربي
الدار / افتتاحية
بينما تنشغل الجزائر وتشغل بلدان المنطقة بمؤامرات النيل من المغرب ومن مقدساته الرمزية والترابية، تمر الذكرى الثانية والثلاثون لإعلان قيام اتحاد المغرب العربي، وفي قلوب المغاربيين غصة لم تبلع قطُّ من فشل هذا المشروع الوحدوي الكبير. ففي فبراير من عام 1989، تجمع قادة البلدان المغاربية الخمس بمدينة مراكش ليعلنوا ميلاد هذا الاتحاد المجهض ويطلقوا انتظارات هائلة لدى شعوب المنطقة، تعدهم بالرفاه والنمو الاقتصادي وتحقيق الاندماج السياسي والترابي. وكان قادة الاتحاد في مشروعهم يستلهمون تجربة الاتحاد الأوربي التي جعلت من الدول الأوربية قوة اقتصادية وسياسية دولية مؤثرة.
وعندما أعلن مشروع اتحاد المغرب العربي فتحت الكثير من التقارير والدراسات التوقعات التنموية الكبيرة التي كان من الممكن أن تحققها هذه البلدان بفضل ما تمتلكه من تكامل طبيعي واقتصادي وثقافي يؤهلها للاندماج بشكل سلس وسريع. لكن كل هذه الانتظارات تحولت إلى سراب في غضون سنوات قليلة بسبب العناد الجزائري وإصرار الجنرالات على إفشال المشروع لأغراض توسعية وانتقامية شخصية. لقد تبين لاحقا أن السبب الرئيسي الذي جعل النظام الجزائري يقف حجر عثرة في وجه استكمال الاندماج بين البلدان المغاربية هو رغبة الجزائر في احتلال موقع القيادة ورفضها للعب المغرب أي دور ريادي في هذا المشروع وفي المنطقة عموما.
لقد بلغ الأمر إلى حد أن المغرب قبل مبدأ إطلاق دينامية الوحدة المغاربية وترك ملف الصحراء المغربية على هامش هذا المشروع، حتى لا يعرقله ويؤخر إنجازه. لكن اتضح بما لا يدع مجالا للشك أن الجزائر تريد اتحادا مغاربيا بستة دول، تشمل الدويلة الوهمية التي وعدت بها انفصاليي البوليساريو وتريد أن تجعل منها شوكة في حلق المغرب، من أجل تقسيمه وتمزيق وحدته الترابية. ومن الطبيعي أن يرفض بلد مهووس بتقسيم جيرانه أي مشروع وحدة أو تكامل إقليمي كمشروع اتحاد المغرب العربي.
لقد كان من الممكن أن تحقق بلدان الاتحاد نموا وتقدما هائلا لو تم تفعيل الاتحاد قبل ثلاثين عاما. فقد أضاع تعطيل هذا الاتحاد فرصا هائلة للنمو الاقتصادي في سوق استهلاك يناهز 100 مليون نسمة وناتج داخلي إجمالي يناهز 385 مليار دولار. كما أهدرت بلدان المنطقة بسبب فشل هذا الاندماج ما بين 30 إلى 60 مليار دولار من القيمة المضافة طوال هذه السنوات، بما يمثله ذلك من مناصب شغل ونقاط في معدلات النمو ونسب في مستويات الدخل. وبينما تعد البطالة من أكثر المشكلات الاقتصادية التي تواجهها المنطقة، خصوصا بسبب ارتفاع نسبب الشباب، تأبى الجزائر بعنادها وصراعاتها القروسطية إلا أن تحرم فئات واسعة من المغاربيين من رفاهية هذا النمو وثماره التي كان من الممكن أن تشكل جذورا للاستقرار في مواجهة الحروب والظواهر الإرهابية التي تعصف بالمنطقة.
واليوم، وعلى الرغم من أن الحاجة إلى الاندماج المغاربي أضحت أكثر إلحاحا وضرورة، لا تزال العقلية التوسعية الرجعية لعسكر الجزائر، تعيق فرص بناء الاتحاد. وبينما تتنامى الأصوات التونسية والمغربية والليبية والموريتانية المطالبة بإخراج هذا الحلم إلى حيز النور، يصر جنرالات قصر المرادية، على تفتيت جيرانهم، بدعم الانفصال الوهمي في الصحراء المغربية، على الرغم من كل الضربات التي تلقوها من طرف القوى الإقليمية والدولية المعترفة بمغربية الصحراء. وهذا ما دفع الكثير من الخبراء والمراقبين إلى الجزم بأن تحقيق هذا الاتحاد رهين بزوال النظام العسكري في الجزائر، وتعويضه بنظام ديمقراطي يمكن أن يحترم الوحدة الترابية للجيران أولا، ويلبي طموحات الشباب المغاربي في اتحاد يضمن الرفاهية والحقوق والحريات.