الرأيسلايدر

18 فبراير 1962 عندما قُصفت وجدة المجاهدة من أجل إستقلال الجزائر!

بقلم: وليد كبير

كان يوم أحدٍ من تاريخ الثامن عشر من شهر فبراير عام 1962 وكانت الساعة 11h00 صباحا، عندما تعرضت وجدة، المدينة المجاهدة لقصف جوي نفذه طيران الإستعمار الموالي لمنظمة الجيش السري OAS الرافضة لإستقلال الجزائر.

خطط لعملية قصف وجدة الضابط في الجيش الفرنسي الجنرال ادمون جوهود Edmond Jouhaud والعضو البارز بمنظمة الجيش السري OAS.

ادمون جوهود هو قائد الطيران الحربي الفرنسي بوهران بقاعدة بوسفر التي ولد بها سنة 1905، الذي كان من الرافضين بشدة لإستقلال الجزائر، التي سماها بالمفقودة في كتابه “O mon pays perdu”.

في هذا الكتاب، روى وقائع وتفاصيل عملية قصف مدينة وجدة، وكيف خطط لها بهدف قتل أكبر عدد ممكن من الجزائريين الثوار وسندهم المغاربة الأنصار، المتمركزين بالأساس في قاعدة الشهيد البطل العربي بن مهيدي بحي كولوش شمال شرق المدينة، وتدمير عتاد جيش التحرير الوطني.

ومما جاء في كتابه:
“كنا على علم أن المفاوضات جارية، لكننا لم نكن نتوقع أن الجانبين تمكنا من التوصل إلى إتفاق نهائي”.

وأسرد مضيفا:
“كان لابد من تعطيل الإتفاق حتى نظهر لجبهة التحرير الوطني FLN، بأن فرنسا غير قادرة على تنفيذ قرارٍ ضد رغبة الأوروبيين، فقررت الهجوم على ثكنة جبهة التحرير الوطني بمدينة وجدة، حيث تواجدت القيادة العامة للولاية الخامسة بمُعسكر “بن مهيدي” القاعدة الخلفية وهو إسم أحد قادة جبهة التحرير الوطني، ومن بين مؤسسي الثورة الجزائرية، والذي مات رهن الإعتقال في سنة 1957.”

ثم يضيف قائلا:
“هذه الثكنة لم تكن تأوي فقط قيادة الفلاڨة الذين ينسقون العمليات الإرهابية في منطقة القطاع الوهراني، لكنها كانت أيضا قاعدة للتدريب، وقاعدة للإمداد.”

قرر الجنرال جوهود التخطيط للقيام بهجوم جوي لقصف هذه القاعدة العسكرية، فقدم مقترحه للضابط “ڨيوم” Guillaume، وطلب منه أن تكون العملية منفذة من طرف الطيران البحري المتواجد بقاعدة لارتيڨس Lartigues القريبة من مدينة وهران، وأن يتم وضع قاذفتين من طراز Neptune نبتون تحت تصرفه، وبالتالي القدرة على إلقاء ما يقارب 10 أطنان من المتفجرات على قاعدة جبهة التحرير الوطني FLN بمدينة وجدة المغربية.

أعطى جوهود موافقته “لڨيوم” الذي تكلف بتفاصيل العملية، لكنه اكتشف أثناء دراسته صعوبات تقنية، فغير وجهته نحو القوات الجوية المرابطة بقاعدة “السانية” والتي تبعد على مدينة وهران بعشر كيلومترات جنوبا، والتي يوجد بها مركز عمليات للقوات الإحتياطية ذو فعالية جيدة.

كان هذا المركز مزوداً بطائرات من نوع T6، وفي هذا الإطار يقول الجنرال جوهود:
“لقد قبل الجميع تلك المهمة بحماس ورغبة وكان لابد من إجراء عملية قرعة لإختيار الفريقين اللذين سينفذان العملية الهجومية، وإتخذ قرار الهجوم ليوم الأحد 18 فبراير 1962، وفي صبيحة ذلك اليوم أقلعا الضابطان “هونير” Hoerner و “روكول” Raucouls من قاعدة الطيران بالسانية للقيام بعملية قصف قاعدة بن مهيدي بمدينة وجدة.”

توجها الطيارين نحو مدينة وجدة، وقاما بقصف ثكنة جبهة التحرير الوطني FLN على الساعة 11 صباحا ثم عادا وهبطا على بعد 10 كيلومتر من مدينة سعيدة، أين كان في انتظارهما القائد ڨيوم الذي استقبلهما بكل حفاوة.

خلف القصف الغادر إستشهاد وجرح العديد من الجزائريين والمغاربة، فإمتزجت دماءهم الطاهرة من أجل أن تحيا الجزائر حرة مستقلة.

المحزن أكثر عن هذه الحادثة، التي تشكل جزءًا من تاريخ كفاح البلدين الشقيقين، هو إستمرار التجاهل المتعمد من طرف نظام الحكم في الجزائر لما حدث في هذا اليوم، ف 18 فبراير الذي رسمته الدولة الجزائرية يوما وطنيا للشهيد، لا يتم الحديث فيه عن شهداء هذا القصف الغادر!

كيف يعقل تجاهل ذكرى قصف وجدة، في حين يتم الإحتفال سنويا بذكرى ساقية سيدي يوسف التونسية؟ ألم تكن وجدة أهم قاعدة خلفية للثورة التحريرية؟ ألم تكن قيادة جيش الحدود في مدينة وجدة؟ ألم تكن وزارة التسليح والاتصالات العامة والمعروفة بإسم “المالغ” بوجدة؟ أين كانت تتواجد مديرية الإشارة والشيفرة (DTN) أليس بوجدة؟

ألم يتم تأسيس أول مدرسة لتدريب الإطارات الجزائرية بوجدة؟ لماذا إذن التنكر لهذه المدينة التي أعطت الكثير للثورة التحريرية والتي كانت بالفعل قلعة الثوار!

لماذا هذا النكران والجحود؟؟ فقط لوجود صراع سياسي؟؟ هل الخلاف السياسي يدفع الطرف الذي يذكيه الى طمس التاريخ؟

إن تزييف التاريخ، والسكوت عن المحطات التي كتبها الشهداء بدماءهم الطاهرة، والتنكر للملاحم التي جمعت الشعبين الشقيقين الجزائري والمغربي، هو جحود ونكران للجميل، ولا يمكن عبر هذه الممارسات بناء مستقبل مشرق للمنطقة!

يستمر نظام الحكم في الجزائر طمس العديد من الحقائق التاريخية، والخلط بين المواقف السياسية التي تخضع لحساسيات تجاوزها الزمن وبين التاريخ الذي لا يمكن أبدا تغييره!

إن مراجعة التاريخ بعيدا عن الشوفينية والوطنية الزائفة، يتطلب إرادة وشجاعة تؤسس لمصالحة مع الذات، وإرساء للثقة لدى أبناء الشعب في الوطن، وتعزيز لعلاقات الجوار مع أشقاءنا الذين تقاسموا معنا الألم من أجل تحرير الجزائر.

إن تصحيح مسار الأمة يبدأ من إعادة قراءة تاريخها بشكل سليم وبعيدا عن أي بهتان وتزييف حتى نتخلص من الأزمات التي اضرت بهويتنا وانتماءنا وعلاقاتنا مع جيراننا.

ما قدمه المغرب للجزائر أثناء الثورة المجيدة، هو دين في رقبة كل جزائري، تسديده يكون عبر الإعتراف بالجميل وتدريس التاريخ غير المشوه والكف عن الضرر غير المبرر في حقه، وعنذئذ سنشهد نقطة التحول التاريخية، التي تضمن الأمن والإستقرار والسلام في منطقتنا المغاربية.

رحم الله الشهداء🤲

زر الذهاب إلى الأعلى