هل تحول العدوي المجلس الأعلى للحسابات إلى محكمة مالية فعلية؟
الدار / افتتاحية
بتعيين زينب العدوي في منصب الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات انفتحت من جديد قائمة الانتظارات التي يترقبها المواطنون والرأي العام المغربي لتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتحويل المجلس من مجرد مركز لإصدار التقارير الرقابية إلى مؤسسة للترافع ضد الفساد والمفسدين. لقد شغلت تقارير المجلس الأعلى للحسابات طوال سنوات رئاسة ادريس جطو الإعلام الوطني بما تضمنته من معطيات صادمة أحيانا ومستفزة أحيانا أخرى حول الأوضاع المالية للعديد من المؤسسات العمومية والشبه العمومية الخاضعة لمراقبة قضاة المجلس. وأثارت هذه التقارير في مناسبات عديدة جدلا كبيرا بما قدمته من أرقام وكشفته من خروقات، لكن كل هذا العمل تحول بمرور السنوات إلى مجرد وجبة إعلامية موسمية.
ويأتي تعيين زينب العدوي على رأس المجلس في سياق مسلسل بدأ قبل أكثر من عام ونصف عندما أعلن الملك محمد السادس في خطاب الذكرى العشرين لعيد العرش عن بداية مرحلة جديدة تتطلب “نخبة جديدة من الكفاءات في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية”. كما تلج العدوي المجلس الأعلى للحسابات في ظرفية نهاية ولاية انتخابية كاملة بحصيلتها الإيجابية والسلبية، التي يرتقب أن تبدأ بالمحاسبة الانتخابية في الاقتراع التشريعي المنتظر هذا العام. وفي هذا الإطار جاءت توجيهات الملك محمد السادس إلى زينب العدوي بعد تعيينها مسطرة بمجموعة من الأهداف الواضحة ومن بينها “الحرص على قيام هذه المؤسسة بمهامها الدستورية، لا سيما في ممارسة المراقبة العليا على المالية العمومية، وفي مجال تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة”.
وبالنظر إلى سيرة زينب العدوي وتاريخها الحازم في المجال الرقابي، فإن تعيينها ينطوي على رسالة انطلاق مرحلة جديدة في مجال تفعيل صلاحيات مؤسسة المجلس الأعلى للحسابات، من أجل الانتقال إلى سرعة أكبر في مكافحة الفساد. فهذه المؤسسة اكتفت منذ تأسيسها إلى اليوم بكشف الخروقات التي تتعرض لها المالية العمومية، لكن تواصلها مع المؤسسة القضائية لا يزال يتسم بنوع من التردد والقطيعة. ولا يمكن أن يكون لتعيين زينب العدوي أي انعكاس إيجابي على أهداف الحكامة الجيدة والشفافية دون أن تتاح للمجلس صلاحيات الترافع والانتصاب القضائي من أجل حماية عملية للمالية العمومية. فتقارير المجلس الأعلى للحسابات لم يعد لها أي أثر ردعي في مجال مكافحة الفساد بعد أن أصبح جل المسؤولين عن المؤسسات العمومية يدركون أنها مجرد وثائق ليس لها أي امتدادات قضائية.
وفي هذا الإطار، تمتلك زينب العدوي تجربة مهمة حيث أشرفت على رئاسة المفتشية العامة لوزارة الداخلية، وهي المصلحة المخولة بتتبع أداء المسؤولين والمنتخبين، في المجالس والهيئات التي يرأسونها. وقد كانت هذه التجربة بمثابة تدريب عملي على تتبع مكامن ومظاهر الفساد والتلاعبات والخروقات التي تحفل بها العديد من المؤسسات والهيئات العمومية. وقد كانت العدوي خلال هذه التجربة وراء إصدار العديد من التقارير بحق عدد من المسؤولين الذين ثبت استغلالهم لمناصبهم من أجل الاغتناء وهدر المال العام. وعلى الرغم من الغموض الدستوري والقانوني الذي يكتنف اختصاصات المجلس الأعلى للحسابات، ومجالات تدخله، إلا أن ذلك ينطوي في الوقت ذاته على بقاء إمكانية تعزيز صلاحياته القضائية والترافعية مفتوحة، وقابلة للتفعيل في أي وقت كان. إذ لا يزال مآل التقارير الراقابية التي يصدرها المجلس سؤالا محيرا للجميع، بالنظر إلى ارتباطه بحقيقة الإرادة الرسمية في مكافحة الفساد والتصدي لمظاهره. فهل تنجح زينب العدوي في تعزيز الرقابة القضائية لمجلس جطو؟