الرأيسلايدر

بعيدا عن السياسة “مساهمة في النقاش الدستوري حول القاسم الانتخابي على أساس قاعدة المسجلين في اللوائح الانتخابية”

بقلم: أمال علي *

نتج عن المقتضى التشريعي الجديد القاضي باحتساب القاسم الانتخابي على أساس قاعدة المسجلين في اللوائح الانتخابية تباين فقهي-دستوري حول مدى دستوريته، فالغالبية من أساتذة القانون الدستوري جزموا بأنه دستوري بدعوى أنه يحترم المقتضيات الدستورية نصا وروحا، أما الفريق الثاني فقد أكد أنه مخالف للدستور بحجة أنه يتناقض مع فلسفة الدستور مراميه في ضبط سير المؤسسات الدستورية.

من خلال قراءة عدة قرارات للمجلس الدستوري (02-475، 07-630، 11-817)، يمكن الاستنتاج أنه ليس من صلاحيات المحكمة الدستورية التعقيب على السلطة التقديرية للمشرع في اختيار نوعية التدابير التشريعية التي يرتضيها سبيلا لبلوغ أهداف مقررة في الدستور، طالما أن ذلك لا يخالف أحكام هذا الأخير صراحة أو ضمنا وما دامت ممارستها لا يعتريها خطأ بين في التقدير.

أولا: الأساسات التي من الممكن أن تعتمد عليها المحكمة الدستورية في إصدار قرارها حول مدى دستورية القاسم الانتخابي

1- التأكد من مدى احترام المشرع للوعاء الدستوري

لقد أسند الدستور في الفقرة الثانية من فصله 62 إلى قانون تنظيمي بيان عدد أعضاء مجلس النواب، ونظام انتخابهم، ومبادئ التقسيم الانتخابي، وشروط القابلية للانتخاب، وحالات التنافي، وقواعد الحد من الجمع بين الانتدابات، ونظام المنازعات الانتخابية، وبالتالي القاسم الانتخابي يعد من الأحكام التي تدخل في مجال القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب كما حددته الفقرة الثانية من الفصل 62 من الدستور.

وجعل الفصل 06 من الدستور المشاركة والتعددية من مرتكزات الدولة الحديثة التي يسعى إلى توطيد وتقوية مؤسساتها، كما أقر عددا من الأهداف الدستورية التي يدعو إلى بلوغها، والمتمثلة بصفة خاصة في تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين والمساواة بينهم ومن مشاركتهم في الحياة السياسية وهو ما يصبو إليه المشرع من خلال اعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين.

كما منح الفصل 11 خاصة الفقرة السادسة للسلطات العمومية اتخاذ الوسائل الكفيلة بالنهوض بمشاركة المواطنات والمواطنين، وبالتالي اعتماد القاسم الانتخابي من طرف المشرع يعد اختصاصا شرعيا لغاية محددة وهي تشجيع المواطنين والمواطنات على المشاركة السياسية.

2- التيقن من أن ربط القاسم الانتخابي بالمسجلين سيساعد على تحقيق مبادئ دستورية موجودة داخل نص وروح الدستور

إن هذا الإجراء التشريعي يساهم أولا في تحفيز المواطنين للتسجيل في اللوائح الانتخابية، ما دام أن تسجيلهم له قيمة دستورية ويحسب على أساسه توزيع المقاعد البرلمانية طبقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 30 من الدستور، وثانيا تحقيق تمثيلية مستحقة للأحزاب السياسية الصغرى وهو ما يسير في اتجاه اعمال المبادئ الدستورية المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية كتأطير وتمثيل المواطنين وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، (الفصل 07).

توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي للأهداف ذات القيمة الدستورية ينطوي على تخويل المشرع إمكانية اتخاذ تدابير قانونية من شأنها تيسير المشاركة الفعلية في الحياة السياسية.

ثانيا: عدم التدخل في السلطة التقديرية للمشرع شريطة احترام المبدئين التاليين:

1- التأكد من عدم مخالفة أحكام الدستور
القاسم الانتخابي هو تقنية-حسابية، تأتي في مرحلة توزيع المقاعد أي المرحلة الأخيرة في عملية الاقتراع، فهي لا تؤثر في حرية المواطن في اختيار من ينوب عنه دخل المؤسسات الدستورية المنتخبة بطريقة نزيهة وحرة ومنتظمة، وبالتالي ممارسة السيادة محفوظة للأمة بالكامل، حسب الفصل 02 من دستور 2011، فالدستور يحمي حرية الاختيار من ينوب عنه عن طريق صناديق الاقتراع الممنوحة للمواطنين والمحكمة الدستورية تراقب هذه العلاقة، وبالتالي المشرع لم يتجاوز صلاحياته في التشريع.

كما أن المشرع احترم كل المقتضيات الدستورية بطريقة تلقائية، وأكثر من ذلك مرت القوانين التنظيمية من كل مراحل إعداد النصوص التشريعية المحددة دستوريا بطريقة ديمقراطية في التصويت سواء أمام اللجنة الدائمة أو أمام الجلسة العامة.

2- عدم مراقبة السلطة التقديرية للمشرع ما دام لا تعتريها خطأ بين في التقدير
تقنية الخطأ البين في التقدير هي آلية جديدة تعتمدها المحكمة الدستورية في انتاج قرارتها الدستورية وقد اعتمدتها في القرار رقم 21-113 (المتعلق بمراقبة مدى دستورية القانون التنظيمي رقم 57.20 القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 02.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا تطبيقا لأحكام الفصلين 49 و92 من الدستور)، والغاية منها تتجلى في ترك بعض هامش الممارسة للمشرع في إعداد النصوص التشريعية شريطة عدم الانحراف في السلطة الممنوحة له في انتاج القواعد القانونية.

انطلاقا مما سبق تفصيله، وبعيدا عن لغة الحسابات السياسية الضيقة، يمكن القول أن اعتماد القاسم الانتخابي على أساس قاعدة المسجلين في اللوائح الانتخابية هو إجراء يطابق الدستور نصا و روحا، بل يبقى من المطلوب اعتماده في المرحلة الحالية لضمان تنفيذ أحد المبادئ الدستورية الكبرى، المتمثلة في الحفاظ على خيار التعددية السياسية و التناوب على السلطة، و إلا من الفائدة من تنظيم انتخابات تفرز نفس الخريطة السياسية و تكرس هيمنة حزب واحد على المقاعد البرلمانية.

* باحث ومهتم بالشؤون السياسية

زر الذهاب إلى الأعلى