هل أصبح الاعتراف بالفشل من مهام المجلس الوطني لحقوق الإنسان؟
الدار / افتتاحية
على الرغم من مرور أكثر عام على بداية حالة الطوارئ وتجربة الحجر الصحي، لا يزال المجلس الوطني لحقوق الإنسان برئاسة أمينة بوعياش عاجزا عن إيجاد الأجوبة للمعضلات الحقوقية الناجمة عن جائحة فيروس كورونا. ليس هذا استنتاجا مبنيا على متابعة أشغال المجلس وآرائه ومواقفه، بل هو اعتراف صريح من رئيسته التي قالت إن المجلس لم يتمكن من إيجاد أجوبة لعواقب الظرفية الاستثنائية الحالية على حقوق الإنسان مستقبلا. وأوضحت بوعياش، في مداخلة حول موضوع “التفكير في المستقبل… الرهانات والتحديات” ضمن سلسلة “حلقات الخميس” التي تبثها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط في قناتها على منصة “يوتيوب”، أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان واصل عمله طيلة فترة حالة الطوارئ الصحية؛ “لكن هناك أسئلة لم نتمكن من إيجاد أجوبة كافية وشافية لها”.
ومن بين الأسئلة التي قالت بوعياش إن المجلس منشغل بالبحث عن جواب لها ما يتعلق بكيفية إدارة العواقب المستقبلية للتدابير والتشريعات التي يتم تقديمها بشكل استثنائي وسريع للتخفيف من عواقب الأزمة، وكيف يمكن مواجهة التأثير الواضح للتدابير والتشريعات المتخذة بشكل مؤقت على ممارسة حقوق الإنسان، والحيلولة دون أن تصير عواقبها دائمة. كما ذكرت المتحدثة سؤالا آخر لم يجد المجلس الوطني لحقوق الإنسان جوابا له، إلى حد الآن،يتعلق بكيفية ضمان فعالية مراقبة السياسة العمومية وحماية التمتع الكامل بالحقوق في الفترة الاستثنائية الحالية التي لا تزال مستمرة.
هذا التصريح الذي لا يمكن وصفه إلا بالاعتراف الصادم لكل متابعي أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب، يسائل بشكل صارخ المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يعتبر مؤسسة قائمة الذات تمتلك كل الأدوات والموارد المادية والبشرية والتقنية للتفكير في هذا الملف والتسريع بإيجاد الحلول، بدل الاكتفاء بالتفكير في صمت ثم الاعتراف في نهاية المطاف بالفشل والعجز. إذا كان المجلس الوطني لحقوق الإنسان عاجزا عن إيجاد الإجابات عن الأسئلة والإشكالات الحقوقية المذكورة فمن يا ترى سيقدمها، في ظرفية استثنائية كهذه التي نمر بها؟ لقد دبج المجلس الوطني منذ بداية الجائحة العديد من البلاغات وقدم آراء في قضايا حقوقية مختلفة، لكنه ويا للعجب لم يجد الفرصة للتعبير عن موقف صريح تجاه انعكاس التشريعات الاستثنائية من قبيل مقتضيات حالة الطوارئ على حقوق الإنسان.
في 28 أبريل 2020 أصدرت اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان بفرنسا رأيها بخصوص تدابير حالة الطوارئ بعيد أسابيع قليلة من إقرارها. وشدد هذا الرأي على أنه إذا كانت التدابير المقيدة للحقوق والحريات يمكن أن تؤخذ في الاعتبار في حالات استثنائية، فإن ذلك يكون بشرط احترام مبادئ الضرورة القصوى والتكيف والتناسب مع الأوضاع. كما أكد هذا الرأي الاستشاري أنه من الضروري أن تحترم هذه التدابير مبدأ عدم التمييز، الذي يحظر بشكل خاص أي تمييز على أساس الإعاقة أو السن أو الأصل الاجتماعي. وفي 23 أكتوبر 2020 نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية حوارا مع رئيس اللجنة جان ماري بورغوبورو يعلق فيه على تمديد حالة الطوارئ ويحذر من تأثيرها على الحقوق الأساسية، مؤكدا أن هناك حاجة ماسة إلى الإسراع بإنهاء حالة الطوارئ.
مضى على ذلك شهور عديدة، ولا تزال رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان أمينة بوعياش تفكر في الإجابات والحلول والمواقف اللازم اتخاذها من التشريعات الاستثنائية ومقتضيات حالة الطوارئ. ومن غريب الصدف أن يتزامن اعتراف بوعياش بعجز المجلس عن تقديم الرأي بهذا الخصوص، مع قرار سلطات الرباط منع أي تجمهر أو تجمع بالشارع العام تفاديا لخرق مقتضيات حالة الطوارئ الصحية. ومن المستغرب أن يجد المجلس الوطني لحقوق الإنسان إجابات سريعة على قضايا أخرى تتعلق بالمناصفة أو بإجراءات الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد أو احترام حقوق الإنسان في عالم الشغل، لكنه لا يستطيع تقديم رأي استشاري واضح بخصوص قضية حقوقية أصدر بخصوص مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الكثير من الوثائق والآراء.
إن مهام المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي يعتبر مؤسسة دستورية عمومية تمول من جيوب دافعي الضرائب المغاربة، تقتضي الانكباب على كل الإشكالات الحقوقية دونما استثناء أو انتقائية. وإن المجلس الوطني يمتلك من الخبرات والكفاءات والموارد ما يكفي للقيام بهذه المهام، خصوصا أن الأمر لا يتعلق بإعادة اختراع العجلة من جديد، وإنما فقط بتفعيل ذلك الدور الاستشاري، وتحقيق ذلك التوازن المطلوب بين السلط من خلال تقويم ما اعوجّ في الممارسة الحقوقية الرسمية، واقتراح البدائل المساعدة على ذلك.