الإغلاق في رمضان..أمران أحلاهما مُرُّ
الدار / تحليل
القرار الحكومي الأخير بتحديد مواعيد الإغلاق بين الإفطار والسحور في رمضان المقبل، قرار مؤلم وصادم للكثير من فئات المجتمع المغربي المتضررة بشدة من كل إجراءات الإغلاق منذ بدء الجائحة في العام الماضي. هذا القرار سيتطلب تضحيات كبيرة من هذه الشرائح التي تعمل ليالي رمضان خصوصا في المقاهي والمطاعم والأسواق والمحلات التجارية. هذه الشرائح تعاني أصلا من الهشاشة بسبب محدودية دخلها وعدم انتظامه وغياب التغطية الصحية والاجتماعية. لكن بالمقابل إن الحكومة وجدت نفسها في مأزق حقيقي وهي ترصد يوما عن يوم تزايد أعداد الإصابات بالسلالة الجديدة المتحورة من فيروس كورونا المستجد.
لقد أصبح من الصعب بالنسبة للقطاع الصحي العودة مجددا إلى وضعية الموجة الثانية التي كانت قد ضربت المغرب عقب عيد الأضحى في الصيف الماضي. تضاعفت الحالات بالآلاف وازدادت أعداد الوفيات حتى بلغت أرقاما قياسية، ووقع ضغط كبير على المنظومة الصحية التي تعاني أصلا من الخصاص وضعف بنيات الاستقبال. هذا يعني أن الحكومة وجدت نفسها بين خيارين أحلاهما مر. إما أن تترك السير العادي للحياة في شهر رمضان الذي يعرف ليله بتقارب اجتماعي كبير بين الناس في مختلف الفضاءات العمومية والخاصة، بما يعنيه ذلك من احتمالات شديدة لارتفاع أعداد الإصابات والعودة مجددا إلى تصعيد المنحنى. وإما أن تتصرف بقرار مسبق مثل الذي تم اتخاذه وترك المجال أمام المعنيين للتصرف في ظرفية هذا الأسبوع والتهيؤ لسياق الأزمة التي قد يعيشونها بسبب فقدان مورد رزقهم.
الاختيار صعب، بين صحة المجتمع والحفاظ على مكتسبات المرحلة السابقة، وبين ضمان الأرزاق وموارد العيش للمواطنين المنهكين بظرفية الأزمة أصلا. لا توجد حكومة يمكن أن يلقى فعلها الرضا والقبول، مهما تصرفت في مثل هذه الحالات بين الاختيارين السابقين. لكن الذي يمكن للحكومة أن تحاسب عليه وتُلام فعلا هو غياب الدعم الاجتماعي أو تأخره عن تلك الفئات التي ستتضرر حتما من هذا الإغلاق. من المفترض أن تكون الحكومة قد امتلكت طوال الشهور الماضية التجربة الكافية والمعطيات اللازمة للتصرف بسرعة وفعالية ومساعدة المعنيين بالدعم، مثل كل العاملين في قطاع المقاهي. لكن ما يفهم من البلاغ الحكومي الصادر بخصوص هذا القرار، أن مسطرة الدعم ستتخذ مرة أخرى الإجراءات والمراحل البيروقراطية ذاتها التي اتخذها في الشهور الماضية.
كان من المفترض أن تكون الحكومة جاهزة لتقديم الدعم بشكل مسبق للمتضررين بشكل يجعل قرارها يلقى كل القبول والتجاوب من طرف عموم المغاربة، خصوصا في شهر رمضان الذي يعتبر من أكثر الشهور تطلّبا على مستوى مصاريف الحياة اليومية والتموين. لا يُعقل أن يطلب من نادل اليوم أن يلتزم بقرار الإغلاق قبيل رمضان بأسبوع واحد دون أن يعرف متى سيتلقى الدعم الاجتماعي الذي سيساعده في مواجهة ظروف الحياة. هل عليه أن ينتظر شهرا أو شهرين لكي يحصل على ذلك المبلغ المالي المتواضع لمواجهة ما تراكم وسيتراكم عليه من ديون والتزامات؟
لا أحد يمكن أن يعارض الإجراءات الاحترازية التي تهدف إلى إنقاذ المغرب من موجة ثالثة من فيروس كورونا المستجد خصوصا مع انتشار النسخ المتحورة الأكثر فتكا وسرعة من حيث العدوى. لكن بالمقابل لم يعد من المقبول أن تتخذ الحكومة إجراءاتها الفجائية مثلما عودت المواطن على ذلك، دون أن تسبقها قرارات قبلية لتعويض المتضررين وضمان الحد الأدنى من الكرامة والعيش لهم.