الرأيسلايدر

اكتبوا ما ينفع و أنيروا الطريق ليبقى الأمل

بقلم : يونس التايب

منذ بداية شهر رمضان، حاولت كالمعتاد كتابة مقالات تفاعلية بشأن بعض ما يجري و يدور من مستجدات في الواقع. لكنني أعترف أنني لم أنشر أيا منها، لأنني أحسست أن في بعض “التواصل” مجازفة بالسقوط في “الهرج” الانفعالي غير المعقول الذي تأخذه بعض النقاشات التي نتابعها، والتي لن يكفي فيها مقال واحد للإحاطة بكل جوانب الموضوع والرد على بعض الأقاويل، في غياب رغبة عامة في تشجيع التفكير الرزين.

بصدق أعترف أن فعل الكتابة، هذه الأيام، أصبح تمرينا متعبا ودقيقا للغاية، ليس لأن المواضيع قليلة أو أنها لا تستحق وقوفا للتأمل وللتحليل والقراءة، بل لأن الموقف في الواقع حساس للغاية، تتشابك فيه عدة معطيات بشكل لا يحتمل التحاليل الذاتية أو المواقف الارتجالية، أو الخطابات التي تطبعها المزايدة أو المغالاة، أو السعي لتمرير مواقف شعبوية بغرض إرضاء أكبر عدد ممكن من الناس.

لا … لا… الموقف يحتاج ارتقاء و سمو أخلاق، وموضوعية في قراءة ما هو قائم من مستجدات، و سعيا لرؤية المشهد كاملا حتى نكتشف ما بين موضوع وموضوع من ترابط خفي يحمل في طياته أسراره، و كيف أن بعض الحق يراد به باطل وفساد في الأرض، وكيف أن بعض الباطل يصور على أنه حق و هو غير ذلك، وكيف أن نقاشات مشروعة تعاني من مدسوسين همهم الأوحد هو تأجيج الفتنة وخلط الأوراق وبلبلة النفوس.

الموقف في الواقع، حاليا، يحتاج كتابات تذكر الناس بواجب العطاء والخير والتضامن المجتمعي والتآزر في مواجهة الصعوبات الاجتماعية و تجاوز الضغط النفسي الذي تسببه، وتبتعد بوجدان الناس عن الانفعال وهيستيريا التواصل بدون بوصلة. لذلك، نحتاج إلى وجهات نظر و أراء تستحضر المصالح الكبرى للأمة المغربية، وتحاليل تعتمد منهجا يجلب النفع عبر الفكر الهادف والإيجابي، بعيدا عن الضوضاء وتأجيج النقاشات في أمور غير رئيسية تنسينا الأوراش الأساسية المطروحة أمامنا.

وأنا في خضم هاته الأفكار والخواطر، ذكرني موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، بمقال كتبته قبل سنة تحت عنوان (لا يليق بالإعلامي خرق السفينة في زمن الوباء!). وأنا أعيد قراءته وجدت أن كثيرا مما كتبته فيه، يسكن أفكاري بقوة هذه الأيام، بما يغنيني عن أية إضافات. ومما قلته قبل سنة، وأعيد قوله بنفس القوة، أنه :

“بالتأكيد، ليس المشكل بتاتا في أن يقال أن في واقعنا أشياء غير مقبولة وسلوكات مرفوضة واختيارات غير صائبة، قد يتورط فيها المواطن العادي أو المواطن الذي يمارس مسؤولية عمومية معينة. تلك أمور نعرف أنها كانت توجد في واقعنا قبل الوباء، وأن بعضها استمر في خضم الجائحة دون أن نصححه. لم نكن نخفي أو ننكر شيئا من ذلك، بل كتبنا عنه وكنا نستحسن تناول الأمور السلبية بالتحليل وإثارة الانتباه إلى واجب التصحيح والتطوير وتطبيق القانون في حالة كل مخالفة. في رأيي، المشكل هو في أسلوب التناول وتوقيته وسياقه، الذي يوحي بأشياء تحيل إلى احتمال سير البعض في “خط تحريري” يتأسس على منطلقات ذاتية صرفة، ويستغل كل ظرف لتصفية حسابات بمنطق سياسوي لا علاقة له بالموضوعية و لا بالمصلحة الوطنية العامة.

وإذا كان الإنتقاد مشروعا و تتبع أداء السلطات العمومية وتحليل السياسات الحكومية أمر مطلوب في إطار البناء الديمقراطي وتعزيز التعددية في بلادنا، لأن ذلك جزء من الحرية التي نؤمن بها، كما أن الإعلام الحر شرط لتحقيق ذلك المبتغى، إلا أنني أصر على الاعتقاد أن الإنتقاد يجب أن يكون مهنيا وموضوعيا، والمتابعة الإعلامية احترافية، ويجب تفادى التهييج والابتعاد عن منطق تصيد الهفوات والتربص بسوء نية بكل ما يتحرك على هذه الأرض، حتى لا نسقط في براثن التسفيه و الهرج و المرج والرداءة والتحريض.”

الموقف في الواقع يحتاج لمن يلتزم الصدق ويقتفي سبل إبقاء الأمل الذكي لأنه ضرورة مجتمعية استراتيجية نحن في أشد الحاجة إليها. لذا، علينا أن نكتب ونتواصل لنذكر الناس بالحرص على التحرك في الواقع والتفاعل مع مستجداته بإخلاص الحب لوطننا، والموضوعية وترتيب الأولويات بشكل جيد، وإبقاء الأمل في النفوس، والوعي بأن المغرب كبير على العابثين، وأن هذا الوطن، بنساءه و رجاله الغيورين، أكبر مما يكيده عدد من المحرضين المدفوعين بأجندات “غير معلنة” ليس فيها مصلحة البلاد والعباد، رغم ما في كلامهم من صخب وصراخ.

زر الذهاب إلى الأعلى