الدين والحياةسلايدر

الإسلام والديمقراطية بعد “الفوضى الخلاقة” بأعين أمريكية (2/2)

بقلم: منتصر حمادة

في الجزء الثاني من هذا العرض المخصص لكتاب “الإسلام والديمقراطية بعد الربيع العربي”، وألفه جون إسبوزيتو، تمارا سون وجون فول، ترجمه إلى العربية أسامة عباس، مع مراجعة طارق عثمان، وصدر العمل عن مركز نهوض للدراسات والنشر، نتوقف عند مجموعة أسئلة حاول الكتاب الاشتغال عليها، مع التذكير بهاجس “يسار الإخوان” في مضامين العمل، كما سلف الذكر في الجزء الأول.

ومن هذه الأسئلة: هل الديمقراطية في مأزق؟ أم أن العالم يدخل الآن في القرن الديمقراطي الجديد؟ في معرض الجواب على هذه الأسئلة وغيرها، يرى المؤلفون للعمل أن الجدل حول مستقبل الديمقراطية عالمي أساساً، وفي ثنايا هذا الجدل، تشكل تجارب “الربيع العربي” الطريقة التي ينظر الناس بها إلى مستقبل الديمقراطية، وخاصة في العالم الإسلامي. ويستدل بإخفاق الحركات التي أطاحت ببعض الأنظمة، في بيان نقاط الضعف الحالية، في التحول الديمقراطي؛ أما النجاحات، فإنها تظهر القوة المستمرة للديمقراطية، في العالم العربي والعالم الإسلامي بصورة عامة.

نعاين في العمل وقفات مع تجربة سبع دول مسلمة، أو من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، حيث خلُص المؤلفون إلى أن الإسلام والحكم الديمقراطي بعيدان كل البعد عن كونهما غير متوافقین، لكن التحول الديمقراطي ما زال عملية مستمرة. وفي حين أن مصر وغيرها قد مرت بانتكاسات كبرى، فإن المرء في حاجة إلى أن يتذكر أن عمليات التحول الديمقراطي غالباً ما تكون معقدة وطويلة الأجل. وتظهر التقارير السنوية، الصادرة عن مؤسسة “فريدوم هاوس”، الصعود والهبوط في دعم الحرية والديمقراطية في جميع أنحاء العالم. كما تشير هذه التقارير إلى أنه في أواخر التسعينيات، حدث تحول عالمي كبير في الديمقراطيات الانتخابية، ولكن في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، حدث تراجع في الحريات الديمقراطية. وفي تقرير المؤسسة الصادر عام 2015 عن الوضع العالمي لعام 2014، ذكر التقرير أنه “للسنة التاسعة على التوالي، أظهر تقرير الحرية في العالم، وهو التقرير السنوي للمنظمة حول الحقوق السياسية والحريات المدنية العالمية؛ تراجعاً عاماً. وأن قبول الديمقراطية بوصفها الشكل السائد للحكومات في العالم ــ وقبول النظام الدولي القائم على مبادئ الديمقراطية ــ يتعرض للتهديد أكثر من أي وقت مضى، خلال السنوات الخمس والعشرين”.

ثمة ما يُشبه الإجماع إذاً، على أن سؤال مستقبل الديمقراطية في القرن الحادي والعشرين، أصبح مسألة عالمية، وأن جميع التقاليد الثقافية الكبرى لديها تاريخ حديث مع كل من السلطوية والديمقراطية. وقد لاحظ بعض الباحثين، مثل دیفید هیلد، أنه على الصعيد العالمي “هناك ميول واضحة، تتضافر لتضعف الديمقراطية والمساءلة، داخل إطار الدول القومية وما وراءها”، كما ذهب فرانسیس فوکویاما، في تحليله للتطورات بعد “نهاية التاريخ”، إلى أن “الموجة الثالثة من الديمقراطية قد توجت بعد نهاية التسعينيات، خاصة بعد ظهر رکود ديمقراطي في العقد الأول من القرن”، بل تحدث آخرون عن القرن الحادي والعشرين بوصفه “قرن الديمقراطية”.

لو توقفنا عند نتائج أحداث “الفوضى الخلاقة”، وتفاعل ثنائية الإسلام والديمقراطية، من منظور مرجعية مؤلفي الكتاب، وهي مرجعية غربية، نقرأ مثلاً، وقفات مع غياب الفطنة السياسية عن جماعة الإخوان المسلمين، في أول تجربة لمصر على الإطلاق مع نظام حكم ديمقراطي، وكما تشير قائمة المؤيدين الحظر جماعة الإخوان المسلمين، فإن مطالبات الإخوان على وجه التحديد بالحكم الديمقراطي هو ما أزعجهم، وليس الخوف من الإرهاب أو القوانين الإسلامية المحافظة. ومرة أخرى، يوضح النموذج المصري أن مسألة التوافق بين الإسلام والديمقراطية لم تكن هي القضية.

كما اتضح أن الجماعة لم تتقدم إلى ميدان التحرير من أجل الإطاحة بنظام حسني مبارك، ولكنها بعد نجاح الثورة، كانت هي المنظمة الأكثر تنظيماً وظهوراً في جميع أنحاء البلاد. ولذلك فقد كانوا على استعداد للهيمنة على أول انتخابات حرة في البلاد. ومع ذلك، لم يكونوا في وضع يُسمح لهم بأن يحلوا محل البيروقراطية العميقة، التي يسيطر عليها الجيش في البلاد. وكما أشار إلى ذلك المؤلفون في الفصل الثامن من الكتاب، إذا كان السؤال الأساسي في الماضي هو: “هل الثقافة العربية أو الإسلام متوافقان مع الديمقراطية؟”، فإن سؤال أحداث المنطقة هو: “هل الحرس القديم والنخبة العميقة الراسخة (كالجيش والقضاء والشرطة والأمن، والبيروقراطيين الحكوميين وغيرهم من النخب السياسية والاقتصادية)، وكذلك الإسلاميون؛ على استعداد للانتقال إلى الديمقراطية؟”.

من بين الخلاصات التي جاءت في الكتاب، وانطلاقاً من الاشتغال على النماذج الإسلامية السبعة الواردة أعلاه، فقد أظهرت دراسات تلك الحالات أن ثنائية الإسلام والديمقراطية، يمكن أن تتوزع على ثنائيات لا حصر لها، منها ثنائية تفيد أن تصل موجة الديمقراطية إلى شاطئ البلدان المسلمة، أو أن المسلمين لن يتحولوا إلى الديمقراطية التامة أبداً، ثنائية غير كافية لوصف العلاقة بين “الربيع العربي” والإسلام والتحول الديمقراطي، في القرن الحادي والعشرين، وبيان ذلك حسب المؤلفين، أن عملية التحول الديمقراطي ظلت مستمرة، في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، لأكثر من قرن من الزمان، وقد اتخذت أشكالاً وصوراً متنوعة. ومن المتغيرات المهمة المؤثرة في ذلك، هل كانت البلد تحت الاستعمار أم لا، وإلى أي درجة؛ وما نوع ذلك الاستعمار؛ وما قوة المؤسسة العسكرية عند الاستقلال، وطبيعتها؛ وما تأثير التعقيدات الجيوسياسية العالمية والإقليمية، كالحرب الباردة والحرب العالمية على الإرهاب؛ ودرجة التنمية الاقتصادية، أو عدمها. وقد حدد بعض الذين توقعوا حدوث آثار متتابعة من التحولات الديمقراطية، بعد ثورة تونس، عدداً من العوامل الديمغرافية، كنمو ظاهرة التضخم الشباب، وزيادة تمكين المرأة، والدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة، بوصف ذلك من العوامل الحاسمة في أحداث “الربيع العربي”.

ومع أن هذه العوامل لعبت بالفعل أدواراً حاسمة في تلك الأحداث، إلا أن الكتاب خلُصَ إلى أنها لم تكن أكثر أهمية ولا حاسمة، من الهواتف والتلغراف وشرائط الكاسيت وأجهزة الفاكس، في الحركات السياسية القديمة. والنتيجة، أن كل اختراع أتاح قدراً أكبر من سهولة التواصل، ومَكّن من تجاوز الحواجز الطبقية والجنسية التقليدية، أي أنه أدى إلى خلق “مجال عام” جديد، لكن المطالبات بالحكم الصالح وسيادة القانون وحقوق الإنسان وتحسني مستويات المعيشة، ظلت ثابتة طوال التاريخ الحديث للحركات السياسية، في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، وما زالت هي العوامل المحورية في حرمات الديمقراطية المعاصرة.

تفاعلاً مع هذه القراءات، نورد رأياً للباحث المصري أشرف منصور، تخصص فلسفة، ويحيل بشكل غير مباشر على ظاهرة “يسار الإخوان”، في نسختها الأمريكية، من خلال نموذج جون إسبوزيتو، حيث أشار منصور إلى أن إسبوزيتو، “الإيطالي ــ الأمريكي، والمتخصص في الإسلام السياسي وصاحب المؤلفات العديدة حول الموضوع، كشف في تدويناته أثناء اعتصام رابعة عن تبنيه للنظرة الغربية للثورة المصرية على أنها انقلاب عسكري وأدان ما يسميه بالمذابح التي قام بها الجيش والشرطة لما يسميه المعتصمين السلميين في رابعة”، واصفاً إياه بـ”المضل الكبير لأنه يعرف حقيقة الإخوان جيداً ويعرف حقيقة الإرهاب الإسلامي، علاوة على أن تأثيره كبير على أمريكا، فهو من أعمدة الدراسات حول الإسلام السياسي، وقد كرر كثيراً في رسائله كلمات مثل “الانقلاب العسكري” و”العودة إلى نظام مبارك” و”الحكم العسكري” و”النظام السلطوي”، وباقي الترهات التي يروجها الغرب الآن. وهو مثال بارز على دعم الأكاديميا الغربية للإسلام السياسي وتجميلها لصورة الإخوان والسلفيين وتخريبها لعقول الطلبة الأمريكان والغربيين عامة”. وهذا عينُ ما نعاينه في هذا الكتاب.

زر الذهاب إلى الأعلى