أخبار الدار

أزمة الأساتذة المتعاقدين تبعث الدفء في أوصال الأغلبية

الدار/ تحليل: رشيد عفيف

منذ أسابيع تعيش مكونات الأغلبية الحكومية على إيقاع خلافات سياسية وحروب كلامية لا تكاد تنتهي. كان آخر هذه المعارك تلك التي نشبت بين التجمع الوطني للأحرار وحزب العدالة والتنمية على خلفية أزمة إقرار الفوترة الإلكترونية على التجار. لقد أثارت هذه النقطة حينها مجددا مسألة هشاشة التحالف الحكومي الذي قام على علاقات بين أحزاب لا تمت إلى بعضها بأي صلة إيديولوجية أو تاريخية. وظهر خلال هذه الأزمة أن قطبي التحالف يسعيان باستمرار إلى رسم الحدود وتقاسم النفوذ، ويدخلان بين الفينة والأخرى في حملات انتخابية سابقة لأوانها كان آخرها الخرجات الخطابية لوزير الفلاحة والأمين العام للتجمع عزيز أخنوش بمدينة الداخلة.

ومع تصاعد الاحتجاجات التي دشنها الأساتذة المتعاقدون وإصرارهم على خيار الاعتصام والإضراب، وكذا تعرضهم للتعنيف من طرف قوات الأمن بما يمثله ذلك من تشكيل لصورة مظلومية متنامية تستذر تعاطف المجتمع، وجدت مكونات الأغلبية نفسها مضطرة لتجاوز خلافاتها والظهور بمظهر الفريق الموحد على الأقل في مواجهة هذا الملف الاجتماعي والأمني الصعب. وفي هذا السياق جاء الاجتماع العادي الدوري لرئاسة الأغلبية كفرصة لمحاولة تجاوز الضعف الذي عبرت عنه وزارة التربية الوطنية على الخصوص في التعاطي مع هذا الملف إلى حدود الساعة. لقد ظهر جليا أن ندوات الوزير الصحافية وحملاته التواصلية لم تكن كافية لإقناع الاساتذة المتعاقدين بالعودة إلى الفصول.

هذه المحاولة لدعم موقف الوزارة الوصية ظهرت في بلاغ رئاسة الأغلبية التي التأمت يوم الأربعاء الماضي لتعلن عن تمسكها بالنظام الأساسي الخاص بأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين معتبرة أنه “خيار استراتيجي فيه مصلحة البلاد ديمقراطيا ومؤسساتيا وتنمويا، ويعزز العدالة المجالية لأنه يلبي الخصاص الذي تعبر عنه كل جهة”. وقد حاولت الأغلبية من خلال هذا البلاغ الربط بين خيار التعاقد وخيار الجهوية المتقدمة في محاولة لتحميل هذا الملف بعدا استراتيجيا ودستوريا يضع الأساتذة المتعاقدين أمام حقيقة ضمنية مفادها أن التراجع عن التوظيف بالتعاقد شبه مستحيل في ظل هذه الأهمية التي يمثلها ضمن ورش الجهوية.

غير أن هذا الاتفاق على السير قدما في دعم خيار التعاقد وفقا لحيثيات البلاغ يتجاوز في الحقيقة الحكومة إلى الدولة. فمن المعلوم أن بعض مكونات الأغلبية وعلى رأسها حزب التجمع الوطني للأحرار عبر في مناسبات مختلفة عن تحفظه بل عن رفضه لخيار التعاقد وعن استعداده في حال توليه مسؤولية الحكومة المقبلة لمراجعة هذا النظام. والظاهر إذن أن التحدي الأمني الذي أضحى يمثله إضراب الأساتذة المتعاقدين خصوصا مع اقتراب امتحانات نهاية السنة فرض على جميع الأحزاب المشكلة للحكومة تنسيق مواقفها وتوحيد رؤيتها لدعم هذا الخيار الذي تعتبره الدولة جزء من خطة الإصلاحات الهيكيلية التي بدأت في عهد حكومة عبد الإله بنكيران بهدف معالجة مشكلة النفقات العمومية.

وفي هذا الإطار جاء الأغلبية مثقلا بالاعتبارات الإدارية والسياسية الحساسة كالتأكيد على "أهمية الخيار الاستراتيجي الذي سارت فيه بلادنا باعتماد جهوية متقدمة ولامركزية راسخة وانطلاق ورش اللاتمركز الإداري الواعد"، مشيرا إلى أن هذا "الخيار ينسجم معه اعتمادُ النظام الأساسي الخاص بأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين". وقد أكد البلاغ على أنه بقدر ضرورة التمسك بهذا الخيار الاستراتيجي لما فيه "مصلحة بلادنا ديمقراطيا ومؤسساتيا وتنمويا ويعزز العدالة المجالية تفاعلا مع الخصاص الذي تعبر عنه كل جهة، وبقدر تأكيد أحزاب الأغلبية على ضرورة صيانة حقوق التلاميذ بضمان استمرار العملية التعليمية التعلمية، بقدر ما تثمن هذه الأحزاب استعداد الحكومة المعلن لتمتيع أطر الأكاديميات الجهوية بنفس الحقوق والضمانات المكفولة لموظفي الدولة والجماعات الترابية في إطار النظام الأساسي الخاص بهم، وبما يضمن استقرارهم المهني وأمنهم الوظيفي".

ومن الواضح أن شهر العسل الجديد بين مكونات الأغلبية يتجه نحو التكريس بعد أن اتفقت هيئة الرئاسة خلال اجتماعها على عقد دورة برلمانية استثنائية للتسريع بإخراج النصوص التشريعية الجاهزة في البرلمان. هذه النصوص التي يعرف بعضها خلافات حول تفاصيلها بين الأحرار والبيجيدي. فمنذ شهور توقف قانونا النظام الأساسي للتربية والتعليم وتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بسبب مواقف برلمانيي الحزبين. فهل تسهم عودة الود بينهما في حسم الخلاف حول لغات التدريس وحرف "تيفيناغ"؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى