محمد صالح التامك.. جسارة رجل دولة
الدار/ تحليل
من غرائب الفايسبوك وطرائف النضال الافتراضي أن يركن شخص، لم يخض يوما في حياته تجربة السجن، إلى تقديم “الدروس” النظرية لمن عاش تجربة السجون نزيلا ومسؤولا.
ومن قلّة الحياء، أن مدونا فايسبوكيا برتبة أستاذ، لم يعش قط تجربة السجن إلا كذبا عندما فبرك قصة اعتقاله ذات جمعة لينصرف من زوجته نحو خليلته، يسمح لنفسه بتقديم الوعظ وتدبيج النقد لمن اكتوى بنار السجن محبوسا، وخبر دهاليز المؤسسات العقابية والإصلاحية مندوبا عاما.
ومن عنتريات البعض في زمن الفايسبوك أن يفتي صاحب البطنة في الإضراب عن الطعام، ويمعن في عقل حق صاحب الفطنة في التعقيب على الأراجيف المنشورة. فالناشط الفايسبوكي الذي لم تعرف له يوم تجربة الأمعاء الفارغة في السجون، يأبى إلا أن يزايد على محمد صالح التامك الذي يحمل معه رصيدا نضاليًا تليدا يلجم لوحده كل المتطاولين والمزايدين في وسائط الاتصال الجماهيري.
وإذا كان مستساغا من الناحية المبدئية أن يُعقّب أفراد من عائلة المعتقلين المنسوب لهم الإضراب عن الطعام على مقالة محمد صالح التامك، من منطلق أن مناط التعقيب هو الصفة والمصلحة التي تسوغها الأواصر العائلية والارتباطات الأسرية، فإن الغريب هو أن يتدخل الخارج عن الخصومة في ملف الإضراب عن الطعام المفترض، فيجد نفسه في حالة شرود، بسبب المحاججة بالكلام وليس التجربة الفعلية، والمناكفة بالحشو عوض الإقناع.
وليس حسن بناجح ببعيد عن حال الأستاذ الفايسبوكي الشارد، إذ انبرى، بدوره وكعادته، يقدم الدروس الافتراضية في ثقافة السجون وأدب اليسار، مع أنه كان وجماعته من أشد الخصوم للتيارات البروليتارية والأطياف اليسارية سنوات الجامعة. والانفلات الحقيقي الذي يتحدث عنه حسن بناجح لم يتسرب نهائيا لمقالة محمد صالح التامك، وإنما هو انفلات فرائد عقد الجماعة التي تاهت في المنصات التواصلية بين هلوسات القومة وسندان اليسار.
والمثير في كل هذه التعقيبات المنشورة، سواء ممن له المصلحة أو ممن يعدمها، هو ذلكم المستوى المنحط من التخوين والقذف في حق رجل كان متصالحا مع ذاته وقال كلمته التي سجلها للتاريخ. فالراضي الأب أسرف في كتابة الرسائل بعدد أيام اعتقال ابنه، كالَ فيها السب والشتم لمختلف المؤسسات المتدخلة في الدعوى العمومية، ولم يصادر حقه أحد ممن تعرضوا لحملة الاستهداف تلك، لكنه سمح لنفسه بأن يصادر حق محمد صالح التامك في أول رسالة يكتبها صدحا بالحقيقة وجهرا بالواقع.
فهل كلمة محمد صالح التامك كانت قاسية إلى درجة انبلاج كل هذه التدوينات المقيتة من أكمّة الفايسبوك؟ وهل منسوب الصراحة في كلمة السجين السابق والسجّان الحالي هي من أغاضت ممتهني الكذب وتحريف الحقائق؟ أم أن آية “الفسق” التي استدل بها هي التي استفزت قريحة الكاذبين والمتطاولين وجعلتهم يرجمون فايسبوكيا محمد صالح التامك؟
بكل تأكيد، لقد نجح محمد صالح التامك في حلحلة بركة الكذب الآسنة، وكشف عمّن أمعنوا في تربية الكذب مثلما يربّي العاطل الأمل. لذلك، فلا ضير ولا غرابة في أن تجد الطحالب تنتفض في شبكات التواصل الاجتماعي في مواجهة رجل دولة قرر بكل جسارة أن يرمي بصعيده الطيب في مجراهم الراكد.