المواطن

دكالة : عادات وتقاليد في طور الزوال

فقدت منطقة دكالة، الكثير من عاداتها وتقاليدها الضاربة في التاريخ، مما اضطر سكانها أمام التطور العمراني ومعانقة أساليب الحياة العصرية والحداثة، إلى التخلي عن جزء كبير من إرث منطقة.

كان سكان دكالة الأقدمون يقطنون بمساكن مبنية بالحجر الجاف ومسقفة ببقايا النباتات (سيقان القمح)، والتي كانت تتميز ببرودتها في فصل الصيف، ودفئها وسخونتها في فصل الشتاء. كما كانوا يقطنون في الكهوف (التوفري) والتي لها مميزات عديدة، منها قدرتها على حماية قاطنيها من الحرارة والأمطار وهجومات الحيوانات المفترسة. كما تخلى الدكاليون، أمام ولوج الكهرباء والماء إلى دواويرهم، عن استعمال وسائل الطبخ المعروفة ب” الحماس / أنية من طين تشبه طنجرة الضغط”، و”الفراح”، والحمام البلدي (المتروسة) و”الروابة” التي يتم وضع الحليب فيها لتختيره قبل مخضه. كما تخلو عن استعمال الفحم وعوضوه بالغاز.

وصرح حسن قرنفل، أستاذ علم الاجتماع وعميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة (جامعة شعيب الدكالي) قائلا: “مع الأسف ساهم التقدم العلمي والإفراط في استعمال الأدوات والأواني الحديثة، في تراجع وتدهور مجموعة من العادات والتقاليد، وأدى إلى تراجع بعض الصناعات والحرف اليدوية، التي كانت تشكل مورد رزق للعديد من المواطنين، خاصة الصناعات والحرف المرتبطة بالطين والفخار، السائرة في طريق الزوال والاندثار”.

وأضاف، أن هذه الحرف تراجعت، ما عدا التي تحولت نحو إنتاج التحف ومقتنيات السياحة، فاسحة المجال أمام السكان الذين استبدلوا الأواني الخزفية بأدوات حديثة، علما أن للأولى فوائد صحية وبيئية وتعمل على حفظ التوازن بين الإنسان وبيئته ومحيطه.

وأشار إلى أن للأواني الحديثة عواقب وخيمة على فنون الطبخ وأنماط الاستهلاك، ولها آثار سلبية على الصحة وعلى الاقتصاد، وتساهم في اندثار الحرف والمهن اليدوية، التي تعتبر من التراث اللامادي.

وفي السياق ذاته يقول (عبد الحكيم بونغاب) أستاذ ينحدر من العونات، إن “الروابة” هي إناء من الطين الأحمر بسعة خمس لترات تقريبا، ظل الى عهد قريب يستعمل للاحتفاظ بالحليب إلى أن يتماسك ”رايب” فيمخض لاستخراج ما به من زبد”.

وأضاف أن التسمية المحلية ”الروابة”، تحمل أسماء مغايرة في مناطق أخرى، لأنها تختلف من منطقة الى أخرى داخل جغرافية هذا الوطن، لكننا، هنا في قبائل دكالة نتداول هذا الاسم، ومنذ زمان لا أحد يستطيع تحديد بداية تصنيع هذا الإناء مع الإشارة في الوقت ذاته إلى أن ربات البيوت بالبادية المغربية، تعانين في وقت سابق من تسلل الأطفال وحتى الكبار خفية إلى حيث تحتفظ الأم أو الجدة بإنائها المدلل المسمى “الروابة”.

ومن جهته أكد عبد الله بنسعيد وهو فلاح من أولاد حمدان، أن بادية دكالة، فقدت الكثير من عاداتها، متحدثا عما يسمى ”خبزة المحراث”، التي كانت ضرورية وأساسية في بداية كل عملية الحرث، والتي تتكون من خليط من دقيق القمح والشعير والذرة ، وكل ما توفر لربة البيت، يتم تهيئها قبل بداية الحرث وتقسيمها إلى عدة كسور، توزع على الحاضرين مع التوجه في الوقت ذاته بالدعاء إلى الل عز وجل ه، لجعل الموسم الفلاحي مثمرا.

وحسب فاطمة، من ساكنة المنطقة، فإنه في السابق لم يكن هناك حمام ولا فرن ولا تلفزيون ولا حتى راديو، حيث كنا نستيقظ باكرا لقضاء أشغال منزلية ، وكنا نستحم في حمام بلدي يسمى (متروسة) له شكل هندسي دائري، مثبت في الأرض، ومصنوع من القصب والقش ومغطى بالثوب.

كنا أيضا، كما قالت، نعمل طيلة اليوم خارج البيت وداخله، لم نكن نشكو من تعب أو مرض، خلاف اليوم، حيث انتشرت الأمراض والأوبئة بسبب الكسل وعدم الحركة والأكل السيئ.

ورغم توجه هذه العادات والتقاليد نحو الاندثار، مع الحفاظ على بعضها خاصة في القرى، فإن بادية دكالة تبقى واحدة من البوادي التي تساهم بقسط وافر من المنتوجات الفلاحية (الحليب واللحوم الحمراء والبيضاء والحبوب والشمندر السكري والخضر والعنب الدكالي والبطيخ الأحمر….).

زر الذهاب إلى الأعلى