لماذا يجب أن يواصل المغرب تحدي إسبانيا؟
الدار / تحليل
معركة كسر العظام الجارية اليوم بين الدبلوماسية المغربية ونظيرتها الإسبانية ستتواصل، ويجب أن تتواصل حتى تغيير المعطيات الواقعية على أرضية العلاقات بين البلدين. المغرب لم يعد مستعمرة إسبانية كما ذكر ذلك وكرره ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون، وإسبانيا لا تريد أن تدرك ذلك. تريد مدريد أن تستغل الثروات السمكية الوطنية وتستغل العمال المغاربة واليد العاملة الرخيصة في مصانع مقاولاتها في شمال المغرب والدار البيضاء، وتواصل الاحتفاظ بأقدم مستعمرتين في العالم، سبتة ومليلية المحتلتين، والأفظع من كل هذا أنها تريد أن تبقى قضية الصحراء المفتعلة شوكة في خصر المغرب، لابتزازه باستمرار مقابل مصالحها.
هذا هو الوضع الذي نعيشه منذ عقود بشكل صريح. لا يجب أن نخجل من انتقاد واقعنا. لقد ظل المغرب لعقود من الزمن خاضعا لابتزاز إسبانيا ومساوماتها وضغوطها. لا تزال مشاهد المزارعين الإسبان المتطرفين وهم يعترضون الشاحنات المغربية التي تحمل الطماطم ويتلفونها عالقة في أذهاننا جميعا. مشاهد إليخيدو وعمالنا المغاربة الذين يعيشون في ظروف لا إنسانية في مناطق عشوائية بينما يراكم الإقطاعيون الإسبان الثروات على حسابهم، أيضا لا تزال عالقة بين أذهاننا. إسبانيا لا تزال تتصرف بمنطق استعماري كولونيالي تجاوزه الزمن وترفض أن تتجاوب مع التحولات الدولية والإقليمية التي فرضتها العولمة وغيرت قواعد العلاقات بين الشعوب والدول.
ولأن هذه العقلية الكولونيالية لا تزال متواصلة، فأمام المغرب اليوم فرصة تاريخية لتغيير الكثير من الثوابت الإسبانية وزعزعتها. ما تجنيه إسبانيا من علاقتها بالمغرب أكثر بكثير عشرات المرات مما يجنيه المغرب، الذي يتعامل مع دول الاتحاد الأوربي كشريك اقتصادي أساسي. العمال المغاربة المقيمون بإسبانيا لا يعيشون هناك فضلا ومنة من مدريد، بل يمثلون قوة اقتصادية وإنتاجية هائلة تساهم في إنعاش الخزينة الإسبانية وفي خلق ثروات الاقتصاد الإسباني. كما أن مدريد تستغل خيراتنا البحرية بأبخس الأثمان مقابل رقم هزيل تدفعه سنويا. كما أن ما يقدمه المغرب في مجال التعاون في مكافحة الهجرة السرية لا يقدر بثمن. لقد كشف وزير الشؤون الخارجية والتعاون في تصريحات صحفية اليوم أن ما يحصل عليه المغرب من أوربا في مجال التعاون في مكافحة هذا النوع من الهجرة لا يمثل حتى 20 في المائة من قيمة ما ينفقه على هذا الملف.
هذا يعني أن المعركة الدائرة حاليا بيننا وبين مدريد معركة وجودية غير مسبوقة. ومن الواضح أن ما يركز عليه المغرب هو حقه المشروع في تحصين أرضه وحماية وحدته الترابية وإنهاء هذا النزاع المفتعل حول الصحراء الذي كانت مدريد بالمناسبة السبب الرئيسي في اختلاقه وتتحمل في ذلك مسؤولية تاريخية لا يمكن أن تتهرب منها. يمكن للعلاقات بين مدريد والرباط أن تعود إلى أفضل أحوالها بمجرد أن تتفهم إسبانيا أن الصحراء لم تعد موضوع استغلال سياسوي ودبلوماسي، وأنه لم يعد بإمكانها اللعب على الحبلين بين المغرب والجزائر، لضمان تدفقات الغاز من الجزائر والحصول على صفقات المقاولات الإسبانية في المغرب. ومن المهم أن تدرك إسبانيا أن هناك معطيات دولية جديدة في هذا الملف، لقد اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، وفتحت دول عديدة قنصلياتها في الأقاليم الجنوبية، وتصر إسبانيا وحدها على التغريد خارج السرب.
واليوم بعد أن ربط المغرب عودة سفيرته في مدريد، والتي تم استدعاؤها إلى الرباط للتشاور، بانتهاء الأسباب الحقيقية للأزمة الدبلوماسية القائمة بين البلدين فمن الواضح أن العلاقات بين البلدين دخلت مرحلة جديدة من المواجهة والتحدي، الضروري في اعتقادنا من أجل الحسم في مسألة تحصين وحدتنا الترابية التي لم تعد تقبل المساومة والابتزاز الأوربي.