2035: أفق جديد يحتاج إلى نخبة جديدة
الدار / تحليل
لن يختلف اثنان على أن ما تضمنه تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد قد أحاط إحاطة ممتدة وشاملة بكل نواحي الشأن التنموي اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا. يكفي الاطلاع على المحاور والعناوين الكبرى لهذه الخطة للتأكد من ذلك. عمل تطلب شهورا طويلة من الجلسات والتقارير والصياغات والمراجعات قامت به لجنة مكونة من كفاءات محلية ودولية مشهود لها بالتجربة والخبرة الكافية. هناك توصيات مهمة تتعلق بالقطع مع الفساد والريع وإرساء أسس اقتصاد حديث ومتطور، وتعاقدات اجتماعية جديدة، وكلها جوانب غاية في الأهمية ويحتاجها باستعجال المغرب الجديد. لكن هذه الآمال التي يبنيها اليوم هذا النموذج لا تحتاج فقط إلى الأفكار والتصورات.
كلنا يعلم أن تنزيل هذه الأفكار والمقترحات على أرض الواقع هو العملية الأصعب في كل مشروع من هذا القبيل. كل الإصلاحات تتطلب بالإضافة إلى المضمون الفكري والسياسي، نخبة مؤمنة بها، وطموحة ومستعدة لتنزيلها وتطبيقها بالشكل المطلوب، دون مساومات أو تنازلات أو توظيف أو استغلال. هذا يعني أننا لم نقطع سوى شوط قصير ويسير في عملية بلورة نموذجنا التنموي، لأننا لم نبدأ بعد في البحث عن الموارد البشرية المؤهلة للقيام بتنزيله وتفعيله. يدفعنا هذا المعطى إلى التساؤل بوضوح وصراحة: ما هي المعايير التي ينبغي أن تتوفر في النخبة التي ستشرف على تفعيل النموذج التنموي؟
من المؤكد أن هذه النخبة لا يمكن أن تكون كتلك التي تشرف اليوم على تسيير البلاد، في مختلف مصالحها ومراكز قواها وإداراتها المركزية. والدليل على ذلك أن التقرير المذكور نفسه قدم تقييما سوداويا عن واقع القطاعات الإدارية والخدمات الاجتماعية بناء على ما استمع إليه من المواطنين وبناء على ما تلقاه من مذكرات الهيئات الحزبية والمدنية. من أوصل هذه القطاعات إلى وضعها الحالي غير هذه النخبة المشرفة اليوم على التدبير؟ لذلك كان من الضروري أن يهتم التقرير بهذا البعد البشري الأساسي في تفعيل النموذج التنموي. صحيح أن التقرير تطرق إلى ضرورة بلورة ميثاق لتفعيله، لكن الميثاق في حد ذاته أيضا سيبقى مجرد ورقة تحمل أفكار طوباوية مهددة بالتبخر مثلما حدث في الماضي.
لذلك فإن من أفشل نماذج الماضي، لا يمكنه بتاتا أن يُنجح نماذج المستقبل. هناك إذا ثورة هادئة يجب أن تجرى على مستوى القيادات في كل القطاعات والمؤسسات والهيئات الحزبية والحكومية والمدنية، بحثا عن الموارد البشرية المؤهلة التي يتوفر فيها شرطان أساسيان لا ينفصلان: شرط الكفاءة وشرط النزاهة. فآفة النخب الماضية أن الكفؤة منها كانت للأسف تفتقد للشرط الأخلاقي، والخلوقة منها تفتقد أحيانا للشرط المعرفي والعلمي. وفي هذه الثورة الهادئة التي نقترحها يجب أن يحتل الشباب مكانة أساسية ومحورية. إنهم غالبا ما يقفون وراء الصفوف التي يحجبها الحرس القديم، وكثير منهم يضطر إلى الرحيل بعيدا إما عن المسؤولية أو أحيانا عن الوطن، لأنهم يحجبون بـ”مسامير المائدة” الرافضين لروح التجديد.
افسحوا المجال إذن للشباب كي يظهروا كفاءاتهم وقدراتهم الباهرة في مجال تنزيل كل مشاريع النموذج التنموي. الشباب يمتلكون الأفكار ويمتلكون الطاقة لتطبيق هذه الأفكار، ويمتلكون الأهم من كل هذا وذاك، وهو تلك الصفحة البيضاء والسمعة الحسنة، لأن أغلبهم لم يتلوث بعد بأدران التدبير والمسؤوليات. وإذا كان التقرير يضع أفقا زمنيا للإقلاع حدده في موعد 2035 فإن هذا السقف في حد ذاته أدعى إلى تبني المقاربة التشبيبة والشبابية في إدارة هذا الورش الكبير، إذ لم يعد المغرب يتحمل أن يرى أولئك الديناصورات الذين تربعوا لعقود على هرم السلطة والتدبير، مرة أخرى أمامهم في المستقبل بعد 15 عاما.