هل تسحب المعارضة الثقة من الحكومة أم من نفسها؟
الدار/ تحليل
التلويح بتقديم ملتمس رقابة لسحب الثقة من الحكومة لا يزال مجرد تكتيك سياسي في النظام البرلماني المغربي. المقترح الذي هددت أحزاب المعارضة مؤخرا بتفعيله ضد حكومة سعد الدين العثماني، لا يمتلك الشروط السياسية الضرورية لتحققه ناهيك عن تراكم العديد من الموانع والمثبطات التي جعلته خارج السياق في الظرفية الراهنة. فأحزاب الاستقلال والأصالة والمعاصرة والتقدم والاشتراكية التي تنسق وتهدد بهذا الملتمس تحمل في طيات تركيبتها مقومات فشل هذه الخطوة السياسية الكبيرة.
نحن نتحدث هنا عن أحزاب ما يفرقها أكثر مما يجمعها. حزب يمثل الحركة الوطنية وحزب ذو جذور يسارية وحزب ثالث من نتائج الجهوية والعولمة. شتات في المواقف والمرجعيات والإيديولوجيات. هذا عامل أول. أما العامل الثاني فهو أننا لا يجب أن ننسى أن التجربة البرلمانية المغربية في مجال سحب الثقة من الحكومة محدودة وغير مؤثرة بالمرة، بل وتكاد تكون منعدمة. فالبرلمان المغربي لم يمارس هذا الحق عبر تاريخه إلا في مناسبتين فقط. هذا يعني أن الثقافة البرلمانية الشائعة تعتبر هذا الإجراء حالة شاذة واستثنائية جدا لا يمكن البناء عليها. فبالإضافة إلى صعوبة تشكيل النصاب القانوني الداعم والمفعل لهذه المبادرة، فإن أغلب القيادات الحزبية تعلم جيدا أن قرار سحب الثقة من الحكومة يتجاوزها ويتجاوز إمكانات مناوراتها. إنه قرار يمكن وصفه بالسيادي ومن ثمة فلا طاقة لأي حزب كان بتحمل مسؤولية اتخاذه.
وإضافة إلى هذه الاعتبارات البنيوية، يبدو أن أحزاب المعارضة اختارت أسوأ توقيت لاقتراح سحب الثقة. فالمغرب يعيش منذ أسابيع على إيقاع أزمة دبلوماسية غير مسبوقة مع الجارة الإسبانية. وهذا المحك الإقليمي لا يسمح للجبهة الداخلية بأي هامش من هوامش الخلاف أو التفكك أو الانشغال بالصراعات السياسوية الضيقة. هذه هي الثقافة السياسية السائدة وهي نفسها الثقافة التي لطالما صفقت لها الأحزاب السياسية في كل المناسبات التي شهدت فيها القضية الوطنية نوعا من الأزمة. لكن التوقيت السيء لا يرتبط فقط بالمواجهة الدائرة مع اسبانيا، وإنما بسياق آخر يضعف هذه المبادرة ويفرغها من أي محتوى أخلاقي أو سياسي بحت. لماذا انتظرت أحزاب المعارضة كل هذا الوقت إلى أن اقترب موعد الانتخابات التشريعية كي تحاول إسقاط الحكومة؟ ما الفائدة أصلا من إسقاط حكومة في شهورها الأخيرة؟
هذا التوقيت غير الموفق هو الذي ينزع المصداقية من مساعي أحزاب المعارضة، ويحولها إلى مجرد فورة حماس انتخابوية ليس إلا.
لقد تحول مقترح ملتمس الرقابة بفعل هذه الاختيارات غير الموفقة لأحزاب المعارضة إلى لعبة مائعة تظهر جانبا من عجز المعارضة عن التحول إلى مؤسسة حقيقية تمثل السلط المضادة. فاقتصار دورها على تهديد الاستقرار التنفيذي يقزم إلى حد كبير الأدوار السياسية الحقيقية المطلوبة منها مثل التصدي للقوانين والنصوص التشريعية غير المتلائمة مع اختياراتها وكذا التقدم بمقترحات وبدائل تملأ الفراغ التشريعي في العديد من المجالات. كيف يعقل مثلا أن ينضم حزب التقدم والاشتراكية إلى حلف المطالبين بإسقاط الحكومة وهو الذي كان إلى الأمس القريب جزء منها ومسؤولا ومدافعا شرسا عن اختياراتها!!
إن استمرار أحزاب المعارضة في استسهال التلويح بملتمس الرقابة دون القدرة على السير في تبنيه والدفاع عنه إلى أبعد حد يزيد من إضعافها ويقوي استهتار الأغلبية بمواقفها. كما أن هذا التمييع لمبدأ سحب الثقة يضرب العمل البرلماني في مقتل، ويسيء إلى حظوظ الانتقال الديمقراطي الذي نسعى إليه. ثم إن هذا الفشل الدائم في تفعيل سحب الثقة من الحكومة يزيد في جعلها هي نفسها عرضة للمزيد من سحب الثقة ليس من الحكومة أو الدولة، ولكن من المجتمع والمواطن.