أخبار الدارسلايدر

شراكة مغربية أوربية جديدة في أفق إنهاء الأزمات الثنائية

الدار/ افتتاحية

على الرغم من العلاقات الدبلوماسية المتأزمة بين المغرب وجاريه الأوربيين ألمانيا وإسبانيا، إلا أن الاتفاق الذي عقده اليوم في بروكسيل مع الاتحاد الأوربي لبناء شراكة خضراء يعد خطوة سياسية ذكية في الظرفية الحالية. فزيادة على كون هذا الاتفاق استكمالا لورش “الشراكة الأورومغربية للازدهار المشترك” التي تم توقيع تصريحها في 2019، لا يخلو هذا الالتزام المغربي اليوم من رسائل سياسية بليغة ينبغي على الشركاء الأوربيين التقاطها والتجاوب معها. فقبل أسابيع قليلة ناقش البرلمانيون الأوربيون بإيعاز من بعض النواب الإسبان قرارا كان الهدف منه إدانة المغرب وإحراجه في قضايا الهجرة السياسية، ثم تحول لاحقا إلى قرار يدعو للتعاون بين الرباط ومدريد في هذه القضايا.

واليوم توحي اتفاقية “الشراكة الخضراء” التي تم إطلاقها بحضور ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ومحمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، وعزيز الرباح، وزير الطاقة والمعادن، (توحي) بما يحاول المغرب دائما التأكيد عليه، وهو التركيز على المصالح المشتركة والملفات التي تجمع الطرفين وتضمن لهما المزيد من الرخاء والرفاهية بمنطق “رابح رابح” بدلا من استثمار بعض نقاط التوتر من أجل ممارسة ضغوط وحسابات أكل عليها الدهر وشرب. ووفاء المغرب اليوم بإقباله على هذه الشراكة الجديدة مع الاتحاد الأوربي، يؤكد أيضا أن إصراره على احترام وحدته الترابية وسيادته من طرف إسبانيا وألمانيا ليس معركة سياسية تعتبر غاية في حد ذاتها، وإنما هو وضوح لا بد أن تبنى عليه العلاقات المستقبلية.

بالأمس قاطع المغرب مؤتمر “برلين 2″، لكنه حضر اليوم مؤتمر روما المناهض لتنظيم داعش، والتزم بالتوقيع في بروكسيل على اتفاق الشراكة الخضراء، وبين غيابه وحضوره مسافة لا يطلب فيها المغرب أن يحظى بمعاملة خاصة أو يقدم له ثمن معين، وإنما يريد فقط أن يتم التعامل معه باعتباره بلدا مستقلا ذا سيادة كاملة على ترابه وأراضيه، دون محاولة ابتزازه أو المزايدة عليه لانتزاع مكاسب معينة. والأوربيون أول من يدرك أن التحولات الاقتصادية الجوهرية التي ستحدث في أفق العقد القادم بانتقال العالم جذريا نحو الاقتصاد الأخضر تفرض عليهم إيجاد شركاء قادرين على مواكبة هذه التحولات في الضفة الأخرى. شركاء لديهم مؤهلات استقبال الاستثمارات وإنتاج الطاقات المتجددة التي ستحتاجها أوربا، وتوفير الكفاءات والموارد المؤهلة للنهوض بتحديات هذا العالم الجديد.

من هو البلد المؤهل لكل ذلك في الضفة الجنوبية أكثر من المغرب؟ لا يوجد بلد أكثر تأهيلا من المغرب في إفريقيا لاستقبال مشاريع أوربية ضخمة تهدف إلى إنتاج طاقات بديلة. مشروع الطاقة الهيدروجينية العملاق الذي بلورته ألمانيا على سبيل المثال، لكي تتحول إلى بلد رائد في هذا المجال، لم تجد لتنفيذه أفضل من المغرب. وقد سبق للبلدين أن وقعا اتفاقا بهذا الخصوص باستثمارات هائلة. لكن كيف يمكن السير قُدما في مثل هذه المشاريع المشتركة بين المغرب ودول الاتحاد الأوربي في ظل استمرار سياسة الابتزاز وتغذية الانفصال في الأقاليم الجنوبية؟

يجب على الأوربيين أن يلتقطوا الرسالة الإيجابية التي وجهها المغرب اليوم من قلب بروكسيل وهو ينفتح على المستقبل عبر مشروع الشراكة الخضراء. وإذا كان ملف البيئة يحقق اليوم تقاربا سياسيا كبيرا بين الطرفين، فمن المستغرب أن يستمر التوتر السياسي في ملفات أخرى، خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بشأن مغربي داخلي، لا دخل لألمانيا وإسبانيا فيه. إن التحديات التي تمثلها البيئة والاقتصاد الأخضر والحفاظ على التنافسية في مواجهة قوى اقتصادية كبرى كالصين والولايات المتحدة الأمريكية يمثل إكراها مشتركا للبلدان الأوربية والمغرب، يحفز على ضرورة الخروج من ضغط واستغلال تركة الحرب الباردة وتجاوز الرؤية الاستعمارية.

زر الذهاب إلى الأعلى