أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: لماذا لا يعامل المغرب الجزائر بالمِثل؟

الدار/ افتتاحية

هناك إحساس بالغيظ والامتعاض لدى شرائح واسعة من المغاربة مما تقوم به السلطات الجزائرية من ردود أفعال مستفزة تجاه كل المبادرات المغربية. كما أن مصدر هذا الغيظ يكون أحيانا هو عدم فهم القرارات التي تتخذها السلطات المغربية وهي تحاول رغم كل شيء محاولة التواصل مع النظام الجزائري، وفتح نافذة للحوار والتطبيع. فعلى الرغم من إعلان الجزائر بصفة رسمية رفضها للمساعدة المغربية لإطفاء حرائق الغابات في منطقة تيزي وزو إلا أن الملك محمد السادس لم يتأخر في إرسال برقية تعزية ومواساة في وفاة عشرات الجزائريين من المدنيين والعسكريين في هذه الحرائق. بالنسبة للكثير من المغاربة يمثل هذا الفعل سرا غير مفهوم بالنظر إلى أن أقل ما يمكن أن يفعله المغرب هو تجاهل ما يجري هناك والرد بالمعاملة بالمثل.

لكن من الواضح أن السلطات المغربية لا تعامل الجزائر بمنطق الرد بالمِثل. المغرب يتعامل بسخاء وكرم دبلوماسي فائق وفيّاض، لا تقدر عليه الكثير من الدول والأنظمة السياسية في علاقاتها مع خصومها وجيرانها غير الودودين. يكفي أن المغرب صبر على استفزازات الجزائر ومؤامراتها ضد الوحدة الترابية على مدى عقود طويلة من الزمن. ولم يلجأ إلا في محطات جد استثنائية إلى قرار قطع العلاقات. هناك دول خاضت حروبا مدمرة لأجل سلوك أقل مما تقوم به الجزائر ضد المغرب. لقد عمدت تركيا مثلا إلى خوض حروب ضد كل جيرانها تقريبا من الجنوب والشرق والغرب لأسباب واهية أحيانا، لا ترقى إلى درجة التآمر على وحدتها الترابية.

ما سر هذا الحِلم الكبير الذي تُعامل به السلطات المغربية عسكر الجزائر؟ هناك جوابان في الحقيقة يفسران ذلك: الجواب الأول له جذور تاريخية. يتعلق أساسا بالامتداد والعمق الثقافي والحضاري للمغرب، باعتباره إمبراطورية عريقة لطالما كانت منطقة شمال إفريقيا وغربها تابعة لها ولنفوذها. بالنسبة للإمبراطوريات التاريخية هناك تأني كبير في اتخاذ قرارات متسرعة مثل خوض الحروب أو قطع العلاقات الدبلوماسية بصفة نهائية. إلى حدود بداية الستينيات كان السلطان محمد الخامس يدافع عن الجزائر في كل المنتديات الدولية باعتبارها بلدا يجب أن يحصل على استقلاله، بل رفض أن يتفاوض مع الفرنسيين على مسألة تسوية الحدود الشرقية بصفة نهائية، قبل أن تستقل الجزائر.

إن التنكر والغدر الذي سيظهر لاحقا من طغمة العسكر في الجزائر ضد المغرب، بعد هذا القرار، يكفي وحده لفتح صفحة من العداء الآزلي، لكن ومع ذلك فقد تجاوز المغرب الكثير من الإيذاء الذي لحقه في الماضي. فالإمبراطوريات العريقة تفضل الفعل على رد الفعل. في حالة بلدان حديثة عهد بالدولة كان من الممكن أن تتخذ قرارات سريعة لإغلاق الحدود وطرد مواطني البلد الآخر، مثلما فعلت الجزائر ضد المغاربة في السبعينيات. لهذه الفئة من الدول التي ينتمي إليها المغرب إذن روح حضارية تُغَلب العقلانية على الانفعال الانزلاق.

وإذا كان الجواب الأول يرتبط بمقاربة الماضي، فإن الجواب الثاني يرتبط بمقاربة المستقبل. هناك وعي، بل يقين في الأوساط الرسمية المغربية على أعلى صعيد، بأن نظام العسكر في الجزائر إلى زوال، وأن التغيير الديمقراطي آت لا محالة. وحرص السلطات المغربية على التقرب من الجزائر نظاما وشعبا نابع إذن من ضرورة ترك الأثر الإيجابي البراغماتي لدى الجيران. هناك رهانات وتحديات مستقبلية هائلة اقتصادية واجتماعية وسياسية وجيواستراتيجية ينبغي الانكباب عليها. ورسالة التطبيع المغربية التي أرسلها الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير تنطوي في الحقيقة على تنبيه مهم من أن المنطقة دخلت مرحلة العد العكسي، وأن المسارعة إلى الاندماج المغاربي لم تعد مسألة اختيار، بل أصبحت ضرورة مستعجلة. لذلك فإن المغاربة الذين ينتظرون من المغرب أن يتخذ قرارات جذرية في علاقته بالجزائر، ويتخذ إجراءات أكثر عدوانية، إنما ينتظرون أمرا بعيد المنال. فالمغرب تحكمه عقلية تركت الماضي وراءها والتفتت نحو المستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى