الرأيسلايدر

هزيمة العدالة والتنمية انتخابيا: قراءة أولية (2)

منتصر حمادة

توقفنا في مقال سابق عند بعض أسباب الهزيمة التي تعرض لها حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي الحركي في استحقاق 8 سبتمبر الجاري، في تفرعاته التشريعية والجهوية والجماعية، حيث أكدت نتائج الاستحقاقات الثلاث، تراجعاً كلياً لمرتبة الحزب من الرتبة الأولى في استحقاق 7 أكتوبر 2016، نحو الرتبة الثامنة، وهي الرتبة التي لم يتوقعها حتى أكثر المتشائمين في الحزب نفسه.
كانت تلك الوقفة مخصصة للأسباب الخاصة بالأحزاب السياسية المنافسة، ونتوقف في هذه المقالة عند الأسباب الخاصة بالحزب المعني هنا، أي حزب “العدالة والتنمية”.
هناك تراكم لعدة أسباب أفضت إلى ما وصل إليه، ومن ذلك، الخلافات التنظيمية داخل الحزب؛ تأثير اطلاع الرأي العام على بعض القضايا الأخلاقية المرتبطة بالمشروع؛ التباين بين القول والممارسة في التعامل مع بعض القضايا المحلية والخارجية؛ سوء تدبير ثنائية الولاء والكفاءة في معرض منح المناصب؛ الازدواجية في الفعل بين ممارسة العمل الحكومي على أرض الواقع؛ وممارسة بعض المعارضة للعمل الحكومي في آن؛ ضمن أسباب أخرى، وتفصيل ذلك كالتالي:
ــ نبدأ بالخلافات التنظيمية، والتي اتضحت بشكل كبير في محطة أكتوبر 2016، وخاصة بعد تعيين سعد الدين العثماني خلفاً لعبد الإله بنكيران من طرف الملك محمد السادس من أجل عقد مشاورات بهدف تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات، وبرزت أيضاً في محطة المؤتمر الوطني للحزب، إلى درجة الحديث عن “تيار التمديد لعبد الإله بنكيران”، أميناً عاماً للحزب، ومجموعة محطات كشفت عن وجود صراعات بين قياديي وقواعد الحزب، ولا يمكن لمثل هذه الخلافات التنظيمية أو تذهب دون ترك بعض الآثار على الإشعاع التنظيمي للحزب، وعلى سمعته وشعبيته.
الباحث سعيد الحاجي، وهو عضو سابق في الحزب، لخص هذا المأزق بشكل دقيق، من خلال تدوينة له مؤرخة في 9 سبتمبر، جاء فيها أنه في “الوقت الذي كانت شعبية العدالة والتنمية تتآكل بشكل كبير جراء القرارات القاسية التي اتخذت في عهده، لم ينتبه مسؤولو الحزب إلى النزيف التنظيمي المتواصل، والذي غادر بسببه الكثيرون هيئات الحزب نحو وجهات أخرى، سواء كانوا أبناء الحزب أو من الذين التحقوا به عن اقتناع، وعوض أن يقوم الحزب بتدارك هذا النزيف تحسباً لانتخابات تحمل مؤشرات الهزيمة، عمد قادته وبعض “المتحمسين” من شبابه إلى مهاجمة المغادرين ووصفهم بالمصلحيين والانتهازيين، معلنين بأن التنظيم الحزبي لا يتأثر بمغادرة هؤلاء”.
ــ نأتي لموضوع القضايا الأخلاقية التي اطلع على بعضها الرأي العام، والتي يبدو أن قيادة المشروع، في شقيه الدعوي (حركة “التوحيد والإصلاح”) والسياسي (حزب “العدالة والتنمية”) لم تنتبه إلى تبعاتها على شعبية المشروع، وبالتالي تأثير تلك القضايا على ما هو مرتقب لاحقاً في الاستحقاق الانتخابي، بل وصل الأمر عند القيادة نفسها وعند بعض المعلقين، بمن فيهم أقلام “يسار الإخوان”، إلى التنبيه والتحذير من أن الكشف عن هذه القضايا يساهم في تغذية المظلومية التي يوظفها الحزب، وبالتالي تساهم في تغذية شعبية الحزب، والحال أن الأمر كان خلاف ذلك عند أتباع الإسلاموية وعند الرأي العام، على غرار ما عاينا في حالات أخرى خارج المغرب، من قبيل ما جرى مع الداعية والباحث طارق رمضان في فرنسا، حيث اضطرت الإسلاموية في المنطقة، في شقها الإخواني على الخصوص، والمحسوبة على مشروع “التنظيم الدولي للإخوان المسلمين” (الموزعة قياداته بين تركيا وقطر وأوربا)، إلى فك الارتباط مع طارق رمضان، من قبيل ما صدر عن الداعية والباحث الإخواني المختار الشنقيطي (يقيم في قطر)، وهو أحد رموز الكتائب الإلكترونية الإخوانية، والمتخصص في شيطنة أغلب أنظمة المنطقة، المعادية للإسلاموية الإخوانية.
رُب معترض أن القضايا الأخلاقية لا توجد عند المشروع المعني هنا، أي حركة “التوحيد والإصلاح” وحزب “العدالة والتنمية” وإنما نجدها حتى في أحزاب أخرى، وهذا اعتراض وجيه طبعاً، ولكن أصحاب هذا الاعتراض لا يذهبون بعيداً في التدقيق، لأنه عليهم التذكير أو التنبيه إلى أنه بالنسبة للقضايا الأخلاقية الخاصة بأحزاب سياسية أخرى، هناك فرق جوهري عنوانه أن أغلب هذه الأحزاب لا تتحدث أو تروج الخطاب الطهراني والمثالي والأخلاقي والديني في معرض استقطاب الأتباع والتأثير على الرأي العام، وهذا فارق مفصلي، يغيب حتى عن الإسلاميين أنفسهم.
ــ بخصوص التباين بين القول والممارسة في التعامل مع بعض القضايا المحلية والخارجية، فهذه معضلة بنيوية عايناها مع حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” في فترة “التناوب التوافق”، وكانت إحدى أسباب تراجع شعبيته لاحقاً، وها هي تتكرر مع تجربة حزب “العدالة والتنمية”، مع فارق أن الحزب المعني، ينهل مما يُسمى “المرجعية الإسلامية”، والتذكير في آن، أن هذه ظاهرة سائدة في أغلب التجارب الديمقراطية، لأن انتقال مشروع إيديولوجي ما من مقام المعارضة إلى مقام تدبير الحكم، أو المساهمة في تدبير الحكم وتدبير الشأن العام، لا يُفيد بالضرورة أنه سيُطبق حرفياً كل الشعارات التي كان يرفعها في مرحلة المعارضة، وهذا ما جرى مع إسلاميي “العدالة والتنمية”، من قبيل التناقض بين القول والممارسة في الحديث عن “محاربة الفساد” و”تفعيل الديمقراطية” وشعارات أخرى كانت موجهة للاستهلاك السياسي والانتخابي، دون الحديث عن محطة مفصلية وصل تأثيرها السلبي على صورة الحزب حتى إلى الخارج، وهي محطة تطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية، لأن أمين عام الحزب، كان ضمن طاقم المسؤولين المغاربة الذين وقعوا على اتفاقيات شراكة بين البلدين. [من تناقضات قيادات المشروع هنا، نتوقف عند موقف الداعية والباحث والبرلماني المقرئ أبو زيد الإدريسي، الذي أعلن عن تجميد عضويته على هامش هذا المستجد الخاص بالتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، ولكن لم يجد البرلماني نفسه أي حرج لكي يترشح في الاستحقاق الانتخابي الأخير باسم الحزب نفسه، الذي زعم منذ أشهر أنه جمد عضويته فيه، ضمن تناقضات أخرى] ــ هناك سبب داخلي آخر، ساهم في تأزيم العلاقات التنظيمية للمشروع، وعنوانه سوء تدبير ثنائية الولاء والكفاءة في معرض منح المناصب، وشرح تأثير هذا السبب يتطلب التذكير بإحدى مميزات الحزب، وهي أنه مكون من كتلتين على الأقل: الأولى كتلة إسلامية حركية خالصة، عنوانها حركة “التوحيد والإصلاح” الإخوانية، وهي الكتلة المتحكمة في القرارات والمناصب والامتيازات، وأهل الحزب أو أهل الداخل يمكنهم تأكيد ذلك؛ أما الكتلة الثانية، فمكونة من أعضاء لا علاقة لهم بما يُسمى “المرجعية الإسلامية”، ولكنهم انضموا للحزب تعاطفاً معه، أو رغبة في الاستفادة من صعود أسهم الإسلاموية، أو لاعتقادهم أنهم “الحزب أقل فساداً” حسب الدعاية الإسلاموية في الكواليس وفي مواقع التواصل الاجتماعي.
والحال أن معضلة توزيع المناصب، في مثل هذه التنظيمات، تخضع لقاعدة حَذر منها عالم الاجتماع اللبناني مصطفى حجازي في كتبه حول سيكولوجية الإنسان العربي: المقهور والمغدور (الكتاب الأول والثاني)، وعنوانها “المناصب لأهل الولاءات وليس لأهل الكفاءات”، وهي القاعدة التي تنطبق أيضاً على المشروع المعني، لولا إن تفعيلها كانت له تبعات على التنظيم، أقلها أنها ساهمت في تغذية الاحتقان، وهذا أحد الأسباب التي تفسر كيف أن نسبة معتبرة من الكتلة الانتخابية القارة للحزب، لم تصوت عليه، كما لخص ذلك القيادي وعضو الأمانة العامة للحزب، عزيز رباح، عندما اعتبر أنه “لا يجد أي تفسير لنتائج الحزب الكارثية”، معتبراً أنه “لو احتسبنا فقط الأعضاء والمتعاطفين وأسرهم والأقرباء والأصدقاء والجيران وبعض المقتنعين بالعمل والجهد والنزاهة… لكان الحزب في الرتب الأولى وبامتياز”.
ــ ننهي لائحة الأسباب [ونتحدث عن لائحة أولية، لأنه يصعب حصر مُجملها] في الجزئية الخاصة بالتأثير السلبي للقرارات الحكومية التي صدرت عن الحزب باعتباره قائد هذه الحكومة، والحديث عن اختيارات لا شعبية، ساهمت في تقويض القدرة الشرائية للطبقة الوسطى، فالأحرى تأزيم وضعية الطبقات الاجتماعية الهشة.
صحيح أن القرارات الحكومية هنا لا تهم حزب “العدالة والتنمية” وحسب، وإنما تهم باقي الأحزاب السياسية التي تشكل التحالف الحكومي، إلا أنه بالنسبة للرأي العام، عندما يتوجه بالنقد، فإنه يقصد رئيس الحكومة بشكل مباشر، لأنه أمين عام الحزب الذي يقود الحكومة، ولا يتوجه بالنقد إلى أمناء عام باقي الأحزاب السياسية التي تشكل التحالف الحكومي، وشتان ما بين المقامين في النقد.
كانت هذه إذن، أهم الأسباب الذاتية المرتبطة بأداء حزب “العدالة والتنمية” والتي أفضت إلى هزيمته في استحقاق 8 سبتمبر الجاري، موازاة مع أسباب محلية تطرقنا إليها في مقالة سابقة، على أن نتطرق في مقالة موالية بحول الله، لبعض الدروس المغربية التي تهم هذا الاستحقاق الانتخابي، والحديث عن دروس موجهة للداخل والخارج على حد سواء.

زر الذهاب إلى الأعلى