الامتداد الديني-الروحي للمغرب في إفريقيا…تجربة دينية فضلى في مواجهة التطرف
الدار- المحجوب داسع
شكل انشاء “مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة” في 13 يوليوز 2015، محطة مفصلية لتعزيز النموذج المغربي في افريقيا، والذي يروم محاربة التطرف، كما تنص على ذلك الورقة التعريفية للمؤسسة، التي تتوفر على فروع في 34 دولة افريقية.
في واقع الأمر لم يكن انشاء هذه المؤسسة الدينية، التي يرأسها جلالة الملك محمد السادس، بوصفه أميرا للمؤمنين، وليد ظرفية أو سياق معين، بل جاء امتدادا للعلاقات الدينية والروحية التاريخية التي تجمع المملكة المغربية، ذات المذهب المالكي، والممالك التي تأسست جنوبي الصحراء، من غانا الى التشاد ونيجيريا، منذ عهد الأدارسة الى عهد الأشراف العلويين”، كما تؤكد على ذلك الورقة التعريفية للمؤسسة.
وفي هذا الإطار، تؤكد ورقة بحثية أصدرها “المعهد المغربي لتحليل السياسات”، أن ” انشاء مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، هي فقط أداة ضمن أدوات أخرى لسياسة دينية مهيكلة، ذات طموحات إقليمية وجيو-إستراتيجية أوسع، وهي تأتي أساسا لمواكبة السياسة الإفريقية الجديدة للمغرب والرامية إلى تعزيز مناطق نفوذه السياسي والاقتصادي في القارة وتوسيعها إلى ما وراء محور الرباط-دكار الذي ظل، لعقود عديدة، محددا رئيسيا لمجال السياسة الإفريقية للمملكة”.
وتشير الورقة الى أن ” لجوء المغرب إلى تصدير تجربته في مجال “الأمن الروحي” إلى إفريقيا يندرج، ضمن رؤية إستراتيجية متعددة الأبعاد تروم تطوير علاقات التعاون الثنائي مع دول القارة؛ والإسهام في جهود مكافحة التطرف وتعزيز السلم في منطقة الساحل جنوب الصحراء ومن ثمة تكريس الحضور الإقليمي للمملكة على الصعيد الدولي”.
يتطلع المغرب من خلال اشتغاله المكثف والمستدام على تصدير تجربته الدينية، المشهود لها بالريادة اقليما وعالميا، خصوصا في الشق المتصل بمحاربة التطرف العنيف، الى إعطاء دفعة قوية لسياسته الإفريقية الجديدة والعمل من خلالها على تعزيز موقعه وتوسيع نفوذه داخل القارة الإفريقية، خصوصا بعد الزيارات التي قام بها جلالة الملك محمد السادس الى عدد من البلدان الافريقية الشقيقة، التي تتقاسم مع المغرب نفس الاشنغالات في مجال التدين الوسطي المعتدل، الذي ينبذ كل أشكال الانغلاق والتطرف والإرهاب.
والواضح أن الامتداد الديني والروحي للمغرب في القارة الافريقية تقف وراءه قصة نجاح بصمت عليها المملكة المغربية تحت قيادة أمير المؤمنين، جلالة الملك محمد السادس، الذي أرسى معالم نموذج ديني قوامه الوسطية والاعتدال والتسامح، أضحى اليوم محط اشادة إقليمية ودولية لدور في تعزيز الأمن الروحي للمواطنين.
هذه العلاقات الدينية والروحية بين المغرب وبلدان القارة الافريقية تحدث عنها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، السيد أحمد التوفيق يوم 10 دجنبر 2015، في كلمة له خلال الدورة الثالثة والأربعينن لأكاديمية المملكة المغربية، تناول فيها العلاقات بين المغرب ودول غرب إفريقيا.
وفي هذا الصدد، يشير السيد أحمد التوفيق الى أن ” المغرب ظل يرعى هذه العلاقات، بحسب الانتظارات، وفي سياق هذا الصمود والانتظار تأسست رابطة علماء المغرب والسنغال عام 1985، وألقى الشيخ علي جالو من مالي درسا حسنيا انتهى فيه إلى ضرورة تجديد ما كان للمغرب بتلك البلدان من علائق، وعلى إثره أمر جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله بتأسيس “معهد الدراسات الإفريقية” بجامعة محمد الخامس”.
وأوضح السيد أحمد التوفيق في ذات الكلمة أن ” هذه العلائق دخلت في عهد جلالة الملك محمد السادس، في وثيرة نمو غير مسبوقة، وذلك من خلال المشاركة الإفريقية المتميزة في الدروس الحسنية، وانعقاد لقاءات جديدة للتجانيين، وبناء مساجد في البلدان الإفريقية، ثم الاستجابة لطلبات تكوين أئمة من بلدان إفريقية، والترحيب الإفريقي بإحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة”.
تقوم هذه العلاقات الدينية والروحية بين المغرب وعدد من البلدان الافريقية الشقيقة، على ثوابت دينية مشتركة، وهي الأشعرية عقيدة، والمالكية مذهبا، والتصوف سلوكا روحيا، غير أن المغرب يوجد فيه ثابت ديني آخر لا يوجد في غيره، وهو إمارة المؤمنين التي في مقدمة التزاماتها بكليات الشرع حماية الملة والدين، وهذا ما جعل المغرب يتمتع بمقومات مؤسساتية لتحصين ثوابته.
ووعيا من المملكة المغربية بأهمية تقاسم تجربتها الفضلى في مجال التدبير الناجع للمجال الديني، وامتداد للروابط والعلاقات الدينية والروحية التاريخية بين المغرب وعدد من البلدان الافريقية، تشرف المملكة على تكوين الأئمة الأفارقة في معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدات، و كذا الإفادة في كيفية إحداث مؤسسة للعلماء على مستوى كل بلد (تعمل من أجل التبليغ السليم؛ ووضع مرجعية مؤسساتية للفتوى في الشأن العام، وتأطير الوعاظ والأئمة، الى جانب الإفادة في كيفية تنظيم التعليم الديني لتحصينه من الاستغلال والمتاجرة؛ والإفادة كذلك في كيفية تيسير الخدمات الدينية تنظيما وإنفاقا.