أخبار الدار

المشيشي العلمي لـ”الدار”: من يريد الثروة واختار القضاء فقد أخطأ الوجهة (2/2)

في الجزء الثاني من هذا الحوار،  الذي خص به وزير العدل الأسبق، ومدير المعهد العالي للإعلام والاتصال سابقا، محمد الإدريسي العلمي المشيشي موقع "الدار"، يؤكد الفقيه الدستوري أن المغرب قطع أشواطا متقدمة في تحقيق استقلالية القضاء، التي لا يجب أن يفهمها القضاة على أنها حرية مطلقة. ويشير العلمي المشيشي إلى أن طريق تحقيق الاستقلالية الكاملة طويل وقد يحتاج إلى مدة زمنية كافية، مؤكدا على ضرورة التعاون والتكامل بين الوزارة الوصية ومؤسسة القضاء. 

– في الجزء الأول من هذا الحوار ذكرت لي أن هناك وعيا بين القضاة اليوم بأنهم أصبحوا يمثلون سلطة مستقلة لكن رد فعلهم قد يسير في اتجاهين أحدهما سلبي. ما  معنى ذلك؟

– أي أن يفهموا الاستقلال على أنه حرية مطلقة يفعل بها القاضي ما يريد وهذا طبعا فهم خاطئ. ونلاحظ اليوم أن الدولة تعمل وتجتهد من داخل الأسرة القضائية أو خارجها من أجل تهدئة الأمور وشرح مفهوم استقلال السلطة القضائية الذي لا يعني أن القاضي المستقل يمكنه أن يفعل ما يشاء، بل هو مقيد بالقانون والضمير وبالمصلحة العامة ويجب أن يعمل في هذا الإطار، كما أنه مقيد بالمراقبة الذاتية، أي مراقبته لنفسه، ومراقبة زملائه وكذا مراقبة الدرجات الأعلى في القضاء ثم في أعلى درجة مراقبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

– هل تحقق هذا الوضع في نظرك على أرض الواقع؟

– صدقني هناك مظاهر وممارسات متحققة من هذا القبيل. هناك طبعا استثناءات ولكن الاستثناء لا يمثل القاعدة. ومن جهة أخرى ماذا عن تلك الوزارة الوصية على قطاع العدل والتي كانت تحكم القضاء منذ الاستقلال أي منذ أكثر من 60 سنة، كيف يمكنها أن تتخلى بين عشية وضحاها عن الامتيازات التي كانت لها حتى وإن كان القانون قد جردها منها؟ لا بد أن تظل بعض الاحتكاكات، فعندما سيحاول مجلس السلطة القضائية اتخاذ مبادرات ما قد يواجه اعتراضا من الوزارة التي قد تتنازع صلاحياته. إرساء هذا  التغيير يحتاج إذن في نظري إلى مدة وزمن كافي من التجربة، قد يتطلب الأمر عشر أو خمسة عشر سنة حتى يعتاد الناس على ما هو جديد.

–  تقصد بالناس هنا المهنيين في قطاع القضاء؟

– نعم، وخصوصا وزارة العدل، التي ينبغي أن تعتاد هي والأسرة القضائية على أن الاستقلال لا يمنع وجود علاقات بينهما. عندما نتحدث مثلا عن  استقلال السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية عن بعضهما البعض فإن ذلك لا يعني بناء جدار عازل بينهما، لا بد من وجود علاقات تكاملية بينهما، وكذلك يجب أن تستمر العلاقات بين السلطة القضائية ووزارة العدل، طبعا إذا استمرت وزارة العدل.

رغم هذه الركائز الدستورية أو القانونية التي تم إرساءها في مسار استقلال السلطة القضائية بماذا تفسرون انعدام الثقة في الأحكام القضائية التي تصدر خصوصا في بعض القضايا التي تشغل الرأي العام، على سبيل المثال غالبا ما لا تحظى الأحكام القضائية الصادرة في قضايا الصحافيين بالرضا أو القبول لدى الرأي العام.

 هذا ما اعتاده الناس، على مدى 60 عاما. وحتى تزيل هذه الفكرة عن أذهان الناس فهذا أمر يتطلب وقتا، ومن هنا تأتي في اعتقادي أهمية التعليم ودوره. لو كان التعليم منتشرا بما يكفي لاستطاع الناس أن يترفعوا عن الأحداث ويغربلوا ما يحظى بالمصداقية مما لا يحظى بها. لقد بدأ هذا التغيير التعليمي يحدث، لكن لا يزال أمامنا الكثير. رد الفعل الشعبي أمام الأحكام القضائية يدفعنا إلى استحضار الدور الذي ينبغي أن تلعبه الصحافة أيضا، رغم أنها أيضا لم تعد لها مقروئية وانتشار، فعليها أن تستغل مثل هذه القضايا لتربي الناس على عدم التسرع. لقد  كانت الصحافة نفسها ضحية لهذا التسرع عندما كانت تحكم بسرعة على حالات الأشخاص وتصدر في حقهم الإدانات، لكن هذا الأمر لم يعد كما كان وأصبحت الصحافة تتريث، وفي نظري هذه هي مسؤوليتها. إن الصحافة مطالبة بتوعية وتثقيف الناس، ولقد لعبت فعلا دورا خطيرا في تاريخ المغرب. كم كان عدد المغاربة المتعلمين الذين يتقنون العربية عشية الاستقلال، كانوا قلة، لكن اليوم يمكنك أن تفاجأ بتعبير الناس وتصريحاتهم حتى في القرى النائية حيث يعبر المغاربة عن وعي كبير، وانظر إلى التحول أيضا في فئة النساء اللواتي أصبحن يعبرن عن آرائهن ومواقفهن. لقد وقع تغيير كبير في المغرب.

– هل يمكن أن نعتبر أن انعدام الثقة في السلطة القضائية وفي أحكام القضاء راجع بالأساس إلى معضلة الفساد؟

– يقول المثل المغربي "حوتة كتخنز شواري". الفساد موجود طبعا في القضاء. والقضاة أنفسهم يعترفون بذلك. لكن السؤال المهم في نظري هو كيف نطهر القضاء؟ لقد كانت لي شخصيا قاعدة حيث كنت أؤمن بالإنسان، وكنت أجتمع بالمسؤولين القضائيين، ولم أكن أستحضر في حواري معهم تهمة الفساد هكذا بشكل مباشر حتى لا أجرح أحدا، لكنني كنت أوجه خطابا مفاده أن حب المال ليس بعيب، فالمال والبنون زينة الحياة الدنيا، لكن من يريد جمع الثروات واختار القضاء فقد أخطأ الوجهة، وعليه أن يتخلى عن القضاء وينتقل إلى مجال آخر حيث يمكنه أن يحقق أهدافه المالية كيفما أراد. أما في القضاء فهذا الهدف مستحيل وغير معقول. وقد كان كثير من المسؤولين القضائيين يتجاوبون مع هذا الخطاب إيجابيا. وبالمقابل كانت هناك طريقة تحاور أخرى تهم قضاة متشددين أو متساهلين، فقد كنت دائما أعتبر أن القاضي المتشدد يصلح أن يكون رجل سلطة، عاملا أو واليا أو باشا، حيث يمكنه أن يحرص على تطبيق القانون بكل التشدد الممكن. أما المتساهل فليأخذ منصب سفير لتحقيق مآربه. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

6 + 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى