أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: كيف سيوحد جواز التلقيح المغاربة بدل تقسيمهم؟

الدار/ افتتاحية

من الواضح أن هناك انقساما في المجتمع تجاه مسألة التلقيح، لا تزال هناك فئات لا بأس بها ترفض المبدأ من أصله لاعتبارات جلها مرتبط بالتصورات الخاطئة أحيانا وبالانطباعات الناتجة عن أخبار مزيفة، وبعضها قد يكون ناتجا عن رؤية واضحة ومنطقية، وعمومًا فمسألة الإقبال على التلقيح أو رفضه تبقى مندرجة في إطار الحريات الشخصية للمواطنين. في بعض المجتمعات تم الحسم في هذه المسألة وتم فرض إجبارية التلقيح كما هو الحال في الصين مهد هذا الوباء، وفي مجتمعات أخرى ديمقراطية ظل الخيار مفتوحا أمام السكان من أجل اتخاذ القرار الذي يرتاحون له.

أما القرار الذي تم اتخاذه مؤخرا من طرف الحكومة المغربية فلا يعني بتاتا إجبارية التلقيح بقدر ما يتعلق بفرض جواز التلقيح في ولوج بعض الفضاءات والأماكن العمومية، على اعتبار أنه يمثل ضمانة لحماية بعض المواطنين خصوصا من الفئات الهشة صحيا من إمكانية التعرض للعدوى من فيروس كورونا المستجد، وتعريض حياتهم للخطر. هناك من رأى في فرض جواز التلقيح في كل الإجراءات الإدارية والفضاءات العمومية، فرضا لإجبارية التلقيح بطريقة غير مباشرة. لكن ما يهم هو أن الكثير من التأويلات السياسية لهذا القرار كانت مبالغة في اتهام السلطات بالديكتاتورية والتسلط من خلال هذا القرار الأخير. ولنقبل جدلا أن السلطات تريد أن تمارس هذا التسلط، هل سيتطلب الأمر بالضرورة اللجوء إلى هذا القرار من أجل تحقيق هذا الهدف؟

لقد استغل البعض هذا القرار من أجل إثارة حالة من الاحتقان في المجتمع وإثارة احتجاجات منظمة في وقفات تشرف عليها هيئات ومنظمات معروفة بانتماءاتها السياسية. لكن هذا الجو الاحتجاجي أظهر المجتمع المغربي وكأنه منقسم على نفسه، ويخترقه خلاف عميق وليس اختلاف محمود ومطلوب.

لكن الإقبال الكبير الذي عرفته مراكز التلقيح في الأيام القليلة الماضية التي تلت هذا القرار أكد أن جل المغاربة لا يقاطعون التلقيح من منطلق موقف سياسي محض، وإنما فقط بسبب هذا السيل الجارف من المغالطات والمواقف والأخبار الزائفة التي اكتسحت حياتهم منذ بدء الجائحة. كما أن هذا الإقبال الكبير على مراكز التلقيح يؤكد أن بعض القرارات التي تبدو زارعة لبذور الانقسام إنما هي في الأصل وفي الواقع تميل إلى توحيد المجتمع ودفعه نحو المزيد من التلاحم والالتئام الاجتماعي وحتى السياسي.

إن تلقيح ما يقارب من مليون ونصف المليون مواطن في ظرف أيام قليلة بعد هذا القرار يؤكد أن الغرض من فرض جواز التلقيح كان بالأساس وظيفيا غايته الأولى هي إنجاح حملة التلقيح الوطنية التي استثمرت فيها السلطات المليارات من الدراهم، وعبأت لأجلها مئات الآلاف من الموارد البشرية، وأسست عليها خطط اقتصادية مستقبلية في مجال زيادة النمو الاقتصادي واستقطاب الاستثمارات والخروج من سطوة الأزمة الاقتصادية التي تضرب العالم منذ أكثر من سنتين. لذلك يجب أن تتحول هذه الوثيقة الصحية في الأيام المقبلة إلى عامل من عوامل توحيد المجتمع بكافة أطيافه ومستوياته السياسية والشعبية والإدارية، بعيدا عن أي توظيف سياسوي خبيث يحاول أن يعطي لقرارات الدولة أبعادا تآمرية تتجاوز حقيقتها.

فلو كانت الدولة تتآمر فعلا على هذا الشعب وتريد أن تتخلص منه بفرض التلقيح لما أنفقت على ذلك المليارات ولما تطلب منها الأمر شهورا من العمل المضني والجهد الاستثنائي الذي لم يسبق لأي حكومة أو إدارة مغربية أن بذلته عبر تاريخ المغرب الحديث.

زر الذهاب إلى الأعلى