أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: لماذا يريد صيادو الاحتجاجات نقل النقاش حول التعليم إلى الشارع؟

الدار/ افتتاحية

تبدو حكومة عزيز أخنوش كمن يحاول إنقاذ سفينة الاقتصاد وترميم الخصاص الاجتماعي وتثبيت الإصلاحات في معركة مفتوحة لكسر العظام. لم تتخذ هذه الحكومة قرارا من القرارات منذ تنصيبها إلا وواجهت حملات شعواء تستهدف التشكيك في هذه القرارات والطعن فيها وتحميلها ما لا تحتمل من التأويلات السياسية والسياسوية بدء بجواز التلقيح مرورا بالحديث عن الإصلاح الضريبي وصولا اليوم إلى القرار المتعلق بتحديد سن التقدم لمباريات التعليم في حدود 30 سنة.

ورغم أن هذا القرار موضوع قابل للنقاش والتداول ويمكن أن تتجاذبه وجهات النظر، إلا أن المثير هو ما يدور حوله اليوم من استغلال وتوظيف سياسي يبدو أن أهدافه تتجاوز مجرد تحقيق مطالب بعض الفئات الاجتماعية المعنية.

صحيح أن هذا القرار سيقصي فئات واسعة ممن تجاوزت أعمارهم سن الثلاثين عاما من الحق في اجتياز هذه المباراة التي قد تشكل بالنسبة لهم الأمل الوحيد، لكن ما سر خروج بعض الطلبة الجامعيين الذين لا يزالون أصلا في سن صغيرة تؤهلهم بعد التخرج مباشرة للتقدم لهذه المباراة دون مشاكل؟ قد نفهم خروج مظاهرات لفئات اجتماعية ممن تجاوزت أعمارهم الثلاثين عاما وفقدوا الأمل في هذه المباراة، لكن أن يتم تنظيم تجمعات احتجاجية في مواقع جامعية لا يزال طلبتها في بداية العشرينيات من العمر بدعوى معارضتهم لهذا القرار فهذا يعني أن ما يحدث هو معارضة لأجل المعارضة لا أقل ولا أكثر.

ومن وراء هذه المعارضة تقف طبعا بعض الحركات والتيارات السياسية المعروفة بتصيّدها لمثل هذه المناسبات لتجييش الشارع. جماعة العدل والإحسان وبعض الجماعات اليسارية الراديكالية والكتائب الإلكترونية لحزب العدالة والتنمية وغيرهم، يحاولون بأي شكل أو وسيلة كانت أن يحشروا الحكومة الحالية في الزاوية ويحرجوها أمام الرأي العام. وفي غياب الجدل والنقاش السياسي المفيد والمثمر بين المعارضة المؤسسية والأغلبية تحتل هذه البدائل الاحتجاجية الأخرى المشهد وتملأ الفراغ بمواقفها الحدّية التي لا تتيح المجال حتى لفهم الغرض من وراء القرار ونتائجه المحتملة على مستقبل المدرسة العمومية.

ولأن الحكومتين السابقتين تركتا قدرا كبيرا من الارتباك والمشكلات البنيوية في تدبيرهما لقطاع التربية والتعليم على الخصوص، من خلال فرض نظام التعاقد، فإن الحكومة الحالية تجد نفسها عالقة بين خيارين أحلاهما مر. خيار الاستمرارية وترك القطاع مثلما هو عليه وبما فيه من تراكمات أخطاء التدبير نهبًا لاحتجاجات المتعاقدين وفي وضع لا يسمح للمهنيين بأداء مهامهم في ظروف منتجة وإيجابية. وخيار الإصلاح وأخذ المبادرة بقرارات جريئة قد تكون في بدايتها مؤلمة لبعض الفئات لكنها قد تؤتي أكلها لاحقا وتنعكس إيجابيا على فعالية المنظومة التربوية ونتائجها.

فالمنظومة التربوية تعاني من الكثير من المعضلات المتعلقة بالبنيات والموارد البشرية والتمويل والمضامين وغيرها، وإذا كانت المشكلة معقدة ومركبة بهذا الشكل فمن الطبيعي أن تثير الإجراءات التي سيتم اتخاذها بين الفينة والأخرى اعتراض طرف من أطراف المجتمع، ولا شك أن إشارة وزير العدل عبد اللطيف وهبي إلى أن هناك قرارات أخرى قادمة ستزعج بعض المصالح، يدل على أن هناك نية حكومية لطي ملف إصلاح المنظومة التربوية خلال الولاية الحالية بعد أن تبين أن كل المعضلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعاني منها المغرب ناتجة بالأساس عن تردي وتراجع المنظومة التربوية عن أداء أدوارها المنوطة بها.

ولن نخفيكم سرا بأن قرار تحديد السن في حدود الثلاثين قد يمثل البداية نحو إنهاء مشكلة التعاقد وإدماج كافة موظفي قطاع التعليم الذين التحقوا كمتعاقدين، إذ من الممكن أن يتيح إدماج فئات واسعة من الأساتذة في سن مبكرة من إنعاش صناديق المعاشات وتوجه الحكومة بكل ثقة نحو ترسيمهم على غرار سابقيهم دون التخوف من التداعيات المالية لذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى