الرأيسلايدر

حتى لا ننسى الانتصارات التي يحتاجها الوطن

بقلم : يونس التايب

منذ أن تأكد أن دور ربع نهاية البطولة العربية لكرة القدم، ستعرف مباراة بين منتخبنا ومنتخب البلد الجار، بدا لي ضروريا التنبيه إلى واجب جعل اللحظة رياضية صرفة بين فريقين شقيقين، و عدم السقوط في فخ تحميل اللقاء أكثر مما يحتمله من مضمون و من دلالات. و لا شك، دفعني لذلك الموقف، يقيني أن الطرف المقابل سيسعى لجعلها مباراة شبيهة بمعركة جاهلية، يبحث فيها عن انتصار على المغرب بعدما استحال عليه تسجيل أي سبق يذكر على المملكة، سواء في محور العمل الديبلوماسي المرتبط بقضية الصحراء المغربية، أو في محور البناء المؤسساتي الديمقراطي و تنظيم انتخابات مقبولة و معترف بها، أو في مجال توسيع شبكة التجهيزات الأساسية و الطرق السيارة و المطارات و الموانئ الكبرى، أو في قطاعات الفلاحة و الصناعة لتوفير مواد غذائية جيدة للمواطنين بالقدر الكافي، أو في محور جذب الاستثمارات الدولية و خلق فرص شغل للعاطلين. بل، حتى من خلال المحاولات الأخيرة لخلق مشكل اقتصادي للمغرب عبر إغلاق المجال الجوي في وجه طائراته و وقف إمداد الغاز الطبيعي، انقلب السحر على الساحر و تحول الموقف الجزائري إلى هزيمة أخلاقية و شنآن مع جهات مس مصالحها الاقتصادية العبث الجزائري في موضوع الغاز. كما خاب، أخيرا، مسعى التلويح بعمل عدواني مباشر، بعدما ظهر لمن بقي من ضباط عقلاء في محيط الجينرال العجوز، أن أي مواجهة عسكرية ستكون مغامرة لن تحقق انتصار المعتدي.

شاء القدر، إذن، أن يتيح للأشقاء فرصة مواجهة “المروك” في نزال كروي اعتبر فرصة لتحقيق وعد القيادة الجزائرية لجماهير شعبها، بأنها تستطيع تسجيل انتصار على الجار “اللي هوك..!”. لذلك، تصاعدت هستيريا الإعلام و ارتفع منسوب الشحن اللاعقلاني للاعبين و الجماهير، في أفق موقعة ملعب الثمامة بقطر. ثم، فور تحقق “الفوز العظيم” بإخراج المنتخب المغربي من المنافسات، انهالت برقيات التهاني و التبريكات على المدرب مجيد بوجرة، من جميع المتحكمين في الحالة السياسية الجزائرية الراهنة، بداية برئيس الجمهورية و رئيس أركان الجيش و وزير الخارجية وصولا إلى رئيس مجلس الأمة. و العجيب أن تعبيرات فرحهم ارتقت لمستوى سوريالي ساوى بين أمجاد الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، و ربط بين قيمة شهدائها و بين قيمة هدف يوسف البلايلي و أمجاد تصدي الرايس مبولحي لضربة جزاء مغربية.

و أكيد أن آلة البروباجندا الإعلامية، شرعت في استغلال ما جرى بملعب الثمامة القطري، و لن تتوقف طالما هنالك حاجة للتنفيس عن الشعب الجزائري مما يعانيه من ظروف اجتماعية حرجة، و من مخلفات الجروح النفسية التي أحدثتها خساراته في مباريات عناوينها البحث عن البطاطا و الحليب و زيت المائدة و الماء الصالح للشرب، و النضال من أجل ديمقراطية غائبة و دفاعا عن حقوق إنسان منتهكة، و تثبيت وحدة وطنية بين مكونات إثنية و ثقافية داخل المجتمع الجزائري. و لا عيب في أن يكون أصل الهرج هو، فقط، مباراة من 120 دقيقة و خمس ضربات جزاء. المهم أنه انتصار جزائري تحقق أخيرا، و كفى الله الأشقاء عناء الشرح و التحليل و العقلانية.

صراحة، منذ ليلة السبت و أنا أتسائل هل أصبح من مسؤولية المغرب هي أن يساهم في توفير الاستقرار النفسي للنظام السياسي الجزائري ليشعر أنه يحكم “أمة” لها تاريخ، و أن بلاده قوة ضاربة في العالم و، ربما، في النظام الشمسي كله هل يصل الأمر إلى حد جعلنا نفكر جديا في تنظيم مباريات ودية، من حين لآخر، تتيح للأشقاء فرص تحقيق انتصارات يفرحوا بها و بستعيدوا ثقتهم في ذواتهم المكسورة، و يعودوا للتركيز على إصلاح شؤون بلادهم و يوقفوا السلوكات العدائية ضد بلادنا ؟ هل نتصور ذلك و لو من باب إعمال مبدأ التضامن بين الأشقاء خاصة حين يكون أحدهم مصابا بمرض نفسي مزمن، من نوع الهيستيريا و الوسواس القهري ؟

بمعزل عن تلك الأسئلة التي لن نتفق على أجوبة حولها، أظن أن ما يجري من عبث لدى الأشقاء، في سياق مباراة كرة قدم، يلزم أبناء المغرب الذين أقلقهم خروجنا من البطولة العربية، أن يعوا أن توفرنا على فريق وطني ينافس في البطولات العالمية، و يبصم على مشاركات دولية مشرفة، هو أمر مرغوب فيه. لكن خسارة مباراة في بطولة رياضية دولية، لا يجب أن نتعامل معه كأنه نهاية العالم، و لا يجب أن يقل احترامنا لذواتنا بسبب ذلك، و لا يجوز أن ينقص حماس مساندتنا لفرقنا الوطنية. بل، المطلوب عند كل كبوة هو أن نصحح الأخطاء، و نجعل مشاركاتنا المقبلة مناسبة للظهور أمام العالم بشكل يبرز عراقة دولتنا و تميزها في أمور كثيرة أهم.

لذلك، أتمنى أن ننتبه إلى واجب التركيز على الأمور الاستراتيجية التي تستحق منا، فعلا، أن نغضب إذا لم تتحقق. و أقصد بالتحديد، طموحات جعل بلادنا تنتصر في ترتيب التنافسية العالمية في مجالات تبني الحضارات و تقوي المجتمعات، و تحقق التقدم و الازدهار لأبناء الشعب. و عوض السقوط في لاعقلانية التفاعل الذي سقط فيه الجيران بمناسبة فوز في مباراة عادية، الأجدى أن نوجه انفعالنا لمسائلة حكوماتنا المتتالية، و ما فيها من أحزاب سياسية كثيرة الكلام، عن أسباب عجزها على إنتاج سياسات عمومية تطور مؤشرات الجودة و النجاعة و الحكامة الجيدة في منظومة التعليم و التكوين الجامعي و المهني، و في منظومة الصحة و الخدمات الاجتماعية للفئات الهشة، و في آليات حماية الأطفال القاصرين من أي استغلال أو انتهاك للحقوق، و في منظومات الإدماج الاقتصادي للشباب، و في الخدمات المقدمة للمواطنين في الإدارات العمومية، و في تدبير الموارد و الصفقات، و في حماية ثروتنا المائية و الطبيعية و محاربة التصحر و حماية النسيج الغابوي، و في مجال تشجيع الاستثمار و رفع عوائق البيروقراطية، و في حماية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، و إنهاء ظاهرة أطفال الشوارع و الأطفال المتخلى عنهم و المشردين.

أجزم أن تلك هي المنافسات التي سيذكرها التاريخ، و هي ما يجب أن يحرك فينا إرادات التفوق، و يستدعي تفاعلنا و انخراطنا في ديناميكية تحقيق الفوز فيها، إذا كانت تسكن قلوبنا غيرة على راية الوطن، و رغبة في دعم أبناء الشعب و تعزيز قدرات الأجيال الصاعدة، لتقوية مقومات الأمن القومي الاستراتيجي و السيادة الوطنية بمفهومها الواسع.

و إذا جاز جدلا، في مستقبل الأيام، تسجيل خسارة أخرى في مباراة لكرة القدم، خاصة أمام أشقاء ليس لهم من سبيل آخر لتسجيل تفوق رمزي على أمة مغربية عمرها أكبر من 4.500 سنة، فإنه لا يجوز مطلقا أن نستكين لاحتمالات تسجيل خسارات قد يجلبها سلوك فاعلين عموميين قد يغرقهم إيقاع التدبير اليومي و يجعلهم يغفلون عن الأفق الاستراتيجي الواجب في تدبير الشأن العام، و لا ينتبهون إلى خطورة أثر التأخر في تنزيل النموذج التنموي الجديد الذي ينتظره الناس لتحقيق تأهيل شامل يحفظ مكتسبات الدولة و المجتمع.

لذلك، مسؤولية الجمهور الغيور على الراية المغربية، هي أن يهتم أكثر بخطر الهزائم التي قد تمس مصالح الوطن و المواطنين، لأن فيها خسارة لرهان إبقاء الأمل، و في أعقابها يحدث ضعف بمنظور استراتيجي، ينتظره المتربصون بوطننا لاستثماره من أجل تسجيل انتصارات لم يتمكنوا حتى الآن من تحقيقها، رغم سنوات من التآمر و العدوانية و التحريض ضد بلادنا، و ذلك بفضل صمود و حنكة ملوكنا و دفاعهم الوطني الصادق و المستميت عن مصالح البلاد و العباد، و وقوف أبناء الشعب إلى جانبهم في صف وطنية مغربية متجددة و ملتحمة بثوابت البلاد.

و عليه، نحن أبناء المغرب من بيدنا اختيار طبيعة الهزائم التي يمكن أن نقبل بها و نتحمل أثرها. و نحن من بيدنا أن نحسم في طبيعة الانتصارات التي يجب تسجيلها في أسرع وقت. و نحن من بيدنا قرار منع هزائم في ما هو أهم بكثير من مجرد مباراة كرة قدم. و طبعا، ليس شيء له مقام الأهمية القصوى أكثر من مباراة صناعة المستقبل الوطني عبر تعزيز قوة الدولة المغربية، و عبر تنمية المجتمع ليصير قويا بتضامنه و تماسكه و روح افتخار أبنائه بتاريخهم و اعتزازهم بانتمائهم لتمغرابيت. بذلك، فقط، يمكن أن نسجل حضورا مجيدا، و نترك للأشقاء فرحهم الجنوني بانتصارات في مباريات كرة القدم.

زر الذهاب إلى الأعلى