الإصلاحات اللاشعبية: ما سر تعثر العثماني؟
الدار/ رشيد عفيف
الحكومة الثانية بقيادة العدالة والتنمية لم تكن أكثر حنكة ودهاء في تنزيل الإصلاحات اللاشعبية التي تبنتها. في النسخة الأولى من الحكومة التي قادها الإسلاميون تم إقرار العديد من الإجراءات الاجتماعية الحساسة كرفع الدعم عن صندوق المقاصة وإصلاح أنظمة المعاشات ورغم بعض الاحتقان الذي أثاره ذلك إلا أن الحكومة انتصرت في النهاية واستطاعت أن تفرض قراراتها لتخرج من دائرة التشريع إلى دائرة التطبيق. هذه المقارنة تفرض التساؤل حول الأسباب والمقومات التي تفتقدها حكومة العثماني من أجل السير قدما فيما أقرته من إجراءات تواجه منذ أسابيع موجة من الاحتجاجات والمعارضة.
فقد دخل الأساتذة المتعاقدون منذ أسابيع طويلة في إضراب مفتوح رفضا لتجديد العقد دون إلحاق رسمي بوزارة التربية الوطنية، كما أثار القانون الإطار للتعليم احتجاجات نقابية واسعة، والتحق الطلبة في كليات الطب والهندسة وغيرها بمسيرة المضربين والمحتجين. هناك اعتبارات وأسباب عديدة تفسر هذا التعثر الذي تعرفه الحكومة الحالية في خلق أجواء طبيعية لتمرير قراراتها. وتتنوع هذه الأسباب بين ما هو ظرفي أو سياسي أو بشري.
1- شخصية رئيس الحكومة: من الواضح أن هناك بونا شاسعا بين شخصية الأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني وبين سلفه عبد الإله بنكيران. من المهم استحضار اللحظات التي كان بنكيران يواجه فيها البرلمانيين أو المواطنين في دفاعه عن قوانين التقاعد أو إجراءات رفع الدعم عن صندوق المقاصة. الكل يقر بقدرته على مواجهة المعارضة البرلمانية وحتى الرأي العام. والدليل على ذلك أن خطابه العدائي تجاه الموظفين لا يزال متواصلا حتى في خرجاته الإعلامية الأخيرة.
2- ارتدادات البلوكاج الحكومي لا تزال تلقي بظلالها على المشهد العمومي. منذ أن قبل سعد الدين العثماني أن يكون خليفة لسلفه بنكيران إلى درجة لقبه بعض المتندرين بـ"بن عرفة"، والحكومة تجد نفسها في موقف ضعيف في مواجهة كل السلط المضادة سواء المعارضة البرلمانية أو النقابات أو المجتمع المدني أو مختلف الفئات المهنية. قبول حزب العدالة والتنمية التضحية بنكيران والاستمرار في التحالف مع التجمع الوطني للأحرار رغم اشتراطه رحيل بنكيران، وتفضيله المشاركة بدل الاصطفاف في المعارضة أضعف الحكومة التي انطبق عليها المثل المغربي الدارج "من الخيمة خرج مايل" في إشارة إلى التحالف الهجين الذين يضم اليسار واليمين والوسط.
3- لا يخفي على جل المراقبين أن كثيرا من الاحتجاجات والإضرابات الفئوية التي يشهدها المغرب ورغم استنادها إلى ملف مطلبي معروف فإنها أيضا لا تخلو من اختراق سياسي. وفي وسط هذا الاختراق السياسي تحتل جماعة العدل والإحسان موقع المركز بالنظر إلى أنها متهمة ضمنيا أو صراحة بالوقوف وراء جل الانتفاضات الاجتماعية الجارية أو السابقة. القوة التعبوية للجماعة التي كانت في حالة كمون في عهد حكومة عبد الإله بنكيران، والذي تم في عهده إقرار نظام التوظيف بالتعاقد، خرجت اليوم إلى النشاط من جديد. هذا النشاط الاحتجاجي الجديد للجماعة يمكن تفسيره بالسبب السابق، أي بالموقف الذي عبرت عنه الجماعة صراحة عندما انتقدت حزب العدالة والتنمية وقراره بالاستمرار في المشاركة في الحكومة بدل الاصطفاف في المعارضة.
4- هناك عامل رابع أساسي وراء هذا المأزق الذي تواجهه الحكومة فيما يخص فرض إصلاحاتها وقراراتها. إنه استمرار الزمن الانتخابي. هناك إحساس سياسي عارم بأن الولاية الحكومية الحالية عبارة عن حملة انتخابية سابقة لأوانها وهذا ما يضع الحكومة في قلب وتيرة إنجازية سريعة إلى درجة تدفعها إلى محاولة إنجاز مشاريع كثيرة في وقت وجيز. هناك جبهات كثيرة مفتوحة ومن الظاهر أنها تساهم في استمرار في احتقان الشارع وارتباك السلطة التنفيذية. قوانين جوهرية تهم قضايا التعليم والثقافة الأمازيغية والمدارس العليا كلها تطرح دفعة واحدة علما أنها كلها ملغومة بنقاط حساسة في منظور الرأي العام ومن أبرز تجلياتها القانون الإطار المنظم لقطاع التعليم الذي يراجع بعض المكتسبات كمجانية التعليم.
5- العامل الأخير عامل بشري بالدرجة الأولى. انعدام الكفاءة لدى بعض وزراء الحكومة الحالية أصبح جليا. وأزمة التواصل في قلب أزمة الكفاءة هذه. أكبر مثال على ذلك وزير التربية الوطنية سعيد أمزازي الذي اضطرت الحكومة أن ترفقه بوزير الاتصال خلال الندوة الصحفية الأخيرة التي عقدها للإعلان عن تطورات ملف أساتذة المتعاقدين. من الواضح أن الحكومة تدرك أن الرجل ارتكب الكثير من الأخطاء وجلها تواصلية في مخاطبته للمحتجين أو للرأي العام. وهذا بدوره يضاعف من درجة الاحتقان ويصعب مهمة حكومة العثماني.