الدار- تحليل
بلغة راقية ومتزنة كتب البيان الختامي للمؤتمر الوطني السابع لحزب التجمع الوطني للأحرار، والذي انتخب عزيز أخنوش، رئيسا لولاية ثانية، بعد حصوله على 2548 صوتا، من أصل 2549 صوتا معبر عنه خلال عملية التصويت.
هذا الرقي يتجاوز سطور البيان الختامي، ليتضح أكثر من خلال الخطاب الافتتاحي، والختامي للمؤتمر، الذي ألقاه عزيز أخنوش، الذي شكل قطيعة مع خطابات أمناء عامين قادوا الحكومة خلال العشر السنوات الماضية، وهي خطابات كان يغلب على أغلبها كما يتذكر الجميع، منطق الشتم، وكيل الاتهامات تجاه الخصوم السياسيين، بل و ضد أحزاب الأغلبية الحكومية.
بالرجوع الى الخطاب الافتتاحي لعزيز أخنوش، أمس الجمعة، سنجد بأنه خطاب صريح تجاه المواطنين المغاربة، الذين منحوا الحزب المرتبة الأولى في الاستحقاقات الانتخابية لـ8 شتنبر، حيث لم يحاول عزيز أخنوش التنصل من مسؤوليته، و الاختباء وراء الأزمة، أو ” التماسيح” و “العفاريت”، بل وضع المغاربة في صلب الوضعية الدولية، و الوطنية الصعبة، و الأوراش الكبرى التي تشتغل عليها الحكومة بنفس إصلاحي قوي.
كما كان واضحا في الخطاب الافتتاحي لعزيز أخنوش، تغليبه لمنطق الوفاء و الإخلاص تجاه حلفائه في الأغلبية الحكومية، إذ ابتعد عن المزايدات السياسوية العقيمة، و لم يحاول الاختباء وراء الوضع الدولي المتسم بالاضطراب، كما لم يحاول في خطابه التنصل من وعوده الانتخابية، والتزامات البرنامج الحكومي، بل شدد على أن “الحكومة لن ترفع شماعة الأزمة للتهرب من مسؤوليتها، و بأن أحزاب الأغلبية الحكومية عازمة على المضي قدما في مسار تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية في انسجام وتضامن وتماسك”.
وفي هذا الصدد، بعث خطاب عزيز أخنوش الافتتاحي، وكذا الاختتامي، رسائل طمأنة الى أحزاب الأغلبية الحكومية، مؤكدا بأنه “لا يقود الحكومة بمنطق حزب قائد، و أحزاب تابعة”، بل بمنطق التضامن، والتعاون، والانسجام، والتناسق من أجل ربح رهان التنمية، وتوطيد أسس الدولة الاجتماعية وراء القيادة السديدة لجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، كما أكد أخنوش على أن ” رفع رهانات التنمية، ومباشرة الإصلاحات المهيكلة ورش وطني يستلزم انخراط جميع الفرقاء السياسيين، و المهنيين دون اقصاء”، مشيدا في هذا الصدد بالنقابات، التي اعتبرها “شريكة في مسار الإصلاح”.
هذا النفس الإصلاحي، والوطني لدى حزب “الحمامة”، قلما تجد مثيلا له في خطابات رؤساء حكومات سابقة، الذين كانوا يحولون منصات مؤتمراتهم خلال العشر سنوات الماضية، الى فضاء لكيل التهم المجانية لمختلف التنظيمات السياسية والمهنية والإعلامية، وابتكار قاموس “يشيطن” جميع من لا يوافقهم في الرأي، والخط الأيديولوجي السياسي، وهو ما أسهم في عزوف المغاربة، وخاصة فئة الشباب عن العمل السياسي.
المؤتمر الوطني السابع لحزب التجمع الوطني للأحرار، أكد، أيضا على أن “الحزب لن ينساق وراء التبريرات الواهمية، ولن يهدر الزمن السياسي، والحكومي في المزيدات العقيمة”، لأن المرحلة، كما جاء في البيان الختامي، للمؤتمر، ” تتطلب الحرص بشكل مسؤول، على إيجاد الحلول لإخفاقات ومشاكل تراكمت منذ سنوات، من خلال خارطة الطريق للمرحلة المقبلة التي رسمها رئيس الحزب، رئيس الحكومة، عزيز أخنوش في عرضه السياسي”. وهو موقف يؤكد بأن الحزب عازم على احداث قطيعة مع مقاربة سادات عند بعض الأوساط السياسية بعد دستور 2011، والتي ضيعت الزمن السياسي والحكومي للمواطنين المغاربة في “تراشقات” إعلامية و انتخابية وسياسوية لم يجني منها المواطن أي شيء.
البيان الختامي لحزب التجمع الوطني للأحرار، وبقدر ما تفاعل مع مستجدات الساحة الدولية، والوضعية الاقتصادية العالمية، وتأثيراتها على الصعيد الوطني، بقدر ما جدد عزم الحزب من موقع رئاسة الحكومة على المضي في إصلاح ملفات ظلت عالقة منذ سنوات، مشيدا في هذا الصدد بمقاربة الحكومة مواصلة دعم مجموعة من السلع (الكهرباء، والسكر، وغاز البوتان)، وإقرار دعم إضافي للقمح اللين، حماية للقدرة الشرائية للمواطنين.
البيان الختامي لحزب “الحمامة” لم يفوت، أيضا، الفرصة دون أن يشيد بحس التضامن، والأداء الإيجابي لباقي أحزاب الأغلبية، الحكومية المبني على قيم الانسجام والالتزام والمسؤولية”، مؤكدا في هذا الصدد على ضرورة التسريع بإقرار سياسات عمومية لفائدة الطبقات الهشة ترسيخا لمبدأ التضامن بين الفئات، باعتباره تمثلا حقيقيا للدولة الاجتماعية.
المخرجات التي تمخضت عن المؤتمر الوطني السابع لحزب التجمع الوطني للأحرار، تؤكد بأن “مسار التنمية” الذي رفعه المؤتمر الوطني السابع، وقبله “مسار الثقة” الذي حظي بثقة المغاربة، ليس مجرد شعار لتمرير المرحلة، بقدر ما هو رؤية تؤسس لتعاقد سياسي جديد يضع نصب عينيه مخرجات صناديق الانتخابات باعتبارها التعبير الوحيد لإرادة المواطنين، يروم إلى إقرار إصلاحات عميقة، ستنعكس، إيجابا، وفي المدى المنظور، بشكل مباشر على المواطنين.
أما على المستوى تأطير المواطنين، فقد جدد حزب التجمع الوطني للأحرار، عزمه الأكيد على المضي قدما في القيام بمهامه التأطيرية للمواطنين والترافعية على كل القضايا، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية للمملكة، من مختلف المواقع والمسؤوليات.