الدار- تحليل
التزام من أعلى سلطة في البلاد، وانخراط لكافة القوى الحية، تلك أبرز خطوط المقاربة التنموية المغربية في التعاطي مع النزاع المصطنع حول الصحراء المغربية، وهو ما أثمر دينامية تنموية في مختلف ربوع أقاليمنا الجنوبية في مختلف القطاعات والمجالات، بفضل الحرص الملكي السامي على تنمية هذه الأقاليم، و المجهود “التشاركي والدامج” لكل مكونات الساكنة المحلية.
مجهودات تنموية غير مسبوقة في الأقاليم الجنوبية للمغرب، لم تكن لتجد طريقها نحو التجسيد الفعلي على أرض الميدان، لولا إشراك وإدماج كل مكونات الساكنة المحلية في هذه الربوع، بما فيها القبائل والنساء والشباب والفاعلين السياسيين.
انخراط ساكنة أقاليم الصحراء المغربية في تنمية أقاليمهم، تجسد في رسالة بدلالات عميقة، خطوا خطوطها بمداد من ذهب في الاستحقاقات الانتخابية لثامن شتنبر الماضي، من خلال مشاركة مكثفة تجاوزت 63 في المائة، وهي أعلى نسبة على مستوى المملكة.
يوم السبت 7 نونبر 2015، أعلن جلالة الملك محمد السادس، عن اطلاق النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، باستثمارات تناهز 8 مليارات دولار جرى تخصيصها لمشاريع سوسيو-اقتصادية ومُهيكلة على مستوى هذه الأقاليم، بما فيها ميناء الداخلة الأطلسي، أكبر موانئ القارة الإفريقية، فضلا عن جامعة الطب والصيدلة في العيون، وهي من كبريات الجامعات الطبية في المملكة، وكلها مشاريع تندرج في اطار الرؤية التنموية المندمجة القائمة على تحليل موضوعي للوضعية الفعلية لهذه الأقاليم، واستحداث مشاريع مهيكلة انطلاقا من حاجيات الساكنة المحلية، ووفق ما يتلاءم مع خصوصياتها في مختلف المجالات.
هذه المقاربة التنموية التي ينهجها المغرب في الأقاليم الجنوبية، نابعة من المملكة “تميز” في تعاطيها مع ملف الصحراء، بين المسار السياسي وتنمية هذه الأقاليم، فالتنمية بالنسبة للمغرب، “حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف، كما أن لكل مواطن الحق في الولوج إلى الصحة والتربية وكل حقوقه، وهي حقوق يجب صونها، بعيدا عن مقاربة “التخريب” و ” الانفصال” التي تنهجها ميليشيات جبهة “البوليساريو” الانفصالية، برعاية رسمية من النظام العسكري الجزائري.
في اطار تنزيل مقتضيات النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، شهدت هذه الأقاليم، بناء وتشييد وحدات صناعية ضخمة وميناء الكويرة الأطلسي، حيث التحقت منطقة وادي الذهب بالتنمية التي تشهدها باقي المناطق المغربية في الشمال.
وقد خصص البرنامج التنموي لمناطق الجنوب، 85 مليار درهم للصحراء، في حين بلغ حجم الاستثمار في شبكات الطرق السيارة، حوالي 11 مليار درهم في منطقة الصحراء، كما أن مخطط إعمار مدينة الكويرة سينطلق بتطوير المنطقة البحرية المحاذية لها، اعتبارا للدور المحوري الذي يرتقب أن يلعبه ميناء الداخلة على صعيد القارة الإفريقية، ما سيمكن الرباط من تقوية الروابط البحرية بين الضفة الشمالية والمنطقة الساحلية؛ ومن ثمة إنعاش الحركة البحرية الجنوبية باتجاه دول إفريقيا جنوب الصحراء.
وشكل تحرير معبر “الكركارات” الحدودي مع موريتانيا من عصابات “البوليساريو”، فرصة للمغرب لإطلاق مسيرة النماء والبناء والتشييد بهذا المعبر الاستراتيجي؛ تجسد في بناء مسجد ديني وفضاءات لاستقبال المسافرين، إلى جانب التفكير في تشييد الفنادق مستقبلا.
كما أن مشروع ميناء الداخلة الأطلسي، يُعتبر واحداً من أضخم الأوراش التي أطلقها المغرب في أقاليمه الجنوبية، إذ رُصد لهذا الاستثمار غلافٌ مالي بقيمة 1240 مليار سنتيم. ويتمتع الميناء بتصميم يجعله قابلًا لأي عملية توسعة مستقبلية، لاسيما وأنه سيصبح ميناءً استراتيجياً عملاقاً بأهمية بالغة لإشعاع الأقاليم الجنوبية للمملكة ومنطقة غرب إفريقيا.
ويتوخى المغرب من خلال هذا المشروع الاستراتيجي المتميز، الذي يعزز البنيات التحتية في جهة الداخلة – وادي الذهب، المواكبة والدفع بمستوى العلاقات الاقتصادية والتجارية للمغرب مع إفريقيا، ليشكل بذلك دعامة رئيسية للاندماج والإشعاع القاري والدولي للمملكة، كما أن هذا المشروع الضخم، الذي كان موضوع اتفاقية خاصة تم توقيعها أمام صاحب الجلالة الملك محمد السادس في فبراير 2016، يندرج في إطار التعليمات السامية لجلالة الملك، التي أكد عليها في خطابه السامي بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والأربعين للمسيرة الخضراء.
ويعول على هذا الورش الهيكلي الضخم، المطل على الواجهة الأطلسية لجنوب المملكة، للنهوض بجهة الداخلة وادي الذهب، التي تعد بوابة لبلدان القارة الإفريقية، ومركزا لجذب مستثمرين مغاربة وأجانب مهتمين بالتصدير إلى إفريقيا، لا سِيَما في إطار منطقة التبادل الحر القارية، كما يرتقب أن يسهم مشروع ميناء الداخلة الأطلسي، في احداث وقع اجتماعي مهم على مستوى مدينة الداخلة وباقي مناطق الجهة، خاصة في مجال دعم قطاع التشغيل، عبر إحداث مناصب شغل مباشرة وغير مباشرة لمواكبة هذا النمو الاقتصادي المتنامي.
وسيستفيد ميناء الداخلة الأطلسي، من بنيات تحتية موازية، تتمثل على الخصوص في الطريق السريع الذي سيربط بين تيزنيت والداخلة ومنها إلى الحدود المغربية – الموريتانية وباقي بلدان القارة الإفريقية، في سياق دعم توجه المملكة نحو تمتين سبل التعاون جنوب – جنوب.
وحظي النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية للمملكة، بإشادة دولية كبيرة، واعتبر ثورة حقيقية في مجال تدبير الحكامة، لأنه سيمكن من وضع القواعد المؤسسة لسياسة مندمجة، تحفز تعزيز إشعاع الصحراء كمركز اقتصادي وحلقة وصل بين المغرب وامتداده الإفريقي.
ويهدف المغرب من خلال بلورة هذه الرؤية التنموية الطموحة خلق أقطاب تنافسية في الأقاليم الجنوبية للمملكة، من خلال الاستناد على دعامات أساسية هي تقوية محركات التنمية ومصاحبة القطاع الانتاجي وإدماج المقاولات الصغرى والمتوسطة وتطوير التنمية الاجتماعية وتثمين الثقافة الحسانية والتدبير المستدام للموارد الطبيعية وحماية البيئة وتقوية شبكات الربط والتواصل وتوسيع صلاحيات الجهات وتمكينها من آليات الاشتغال وخلق وإحداث آليات مبتكرة للتمويل.
كما أن النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، يتأسس على إعادة هيكلة محركات النمو والتنمية وفق برنامج لدعم القطاعات الانتاجية، في قطاعات الفوسفاط عبر مشروع فوسبوكراع والفلاحة والصيد البحري والسياحة الايكولوجية، في حين يتضمن على المستوى الاجتماعي، تفعيل برامج أقطاب التميز من خلال إنشاء المركز الاستشفائي الجامعي للعيون، وإنشاء مشروع تكنوبول بمنطقة فم الواد، والنهوض بالثقافة الحسانية.