الرأيسلايدر

أيهم أولى، نقاش مواجهة الغلاء أم سجال الشيخ و الشيخة؟

بقلم : يونس التايب

يوم الاثنين الماضي، انطلق سجال جديد سماه البعض بملف “الشيخ و الشيخة”، انقسم بشأنه الناس بين متفق مع التصريحات التي خلقت الجدل، و رافض لها. و للأسف، غطى ذلك السجال على نقاش سياسي هام عرفته جلسة مجلس النواب، التي انعقدت في نفس يوم الإثنين 18 أبريل، بحضور السيد رئيس الحكومة، حيث لم ينل ذلك النقاش مساحات كان يستحقها لدى المتفاعلين عبر منصات التواصل الاجتماعي.

و قد تجلت أهمية جلسة مجلس النواب في كونها عرفت نقاشا سياسيا مهما حول غلاء الأسعار، خاصة أثمنة الوقود، و حول أسباب سطوة منطق السوق في تحديد الأسعار و الخضوع الكلي لتقلبات السوق الدولية، بعد وقف مساهمة صندوق المقاصة في غالبية المواد، باستثناء مادة الغاز و بعض أنواع الحبوب.

بالتأكيد، قد نتفق مع ما قاله رئيس الحكومة في تلك الجلسة و قد لا نتفق، لكن يبقى أن رد السيد عزيز أخنوش على ما قاله رئيس المجموعة النيابية لحزب البيجيدي، كان فيه دفاع قوي عن حصيلة ما قامت به حكومته في مواجهة أزمة الغلاء، و تحميل مباشر للمسؤولية للحزب الذي سير الحكومة، خلال العشر سنوات الماضية، على اعتبار أنه هو من أوقف دعم صندوق المقاصة عن مجموعة من المواد و المحروقات، في سنة 2014، فأصبحت أسعارها تتحدد بحسب قواعد العرض و الطلب، و اضطرابات السوق العالمي.

في رأيي، مما قاله رئيس الحكومة، هنالك ثلاثة نقط تكتسي أهمية كبيرة و تحتاج إلى وقفة هادئة، ألا و هي :
– أولا، قوله أن الحكومتين السابقتين لم تعمل على توفير رصيد احتياطي استراتيجي من المواد الطاقية لبلادنا.
– ثانيا، قوله أن الحكومة السابقة لم تخبر الشركات المعنية، بأن الغاز الجزائري سيتوقف مروره عبر الأنبوب الذي يمر عبر بلادنا، ليتوقف تزويدنا بجزء من احتياجاتنا. و بالتالي، وجدت الشركات نفسها أمام الأمر الواقع، و اضطرت في آخر لحظة لحل المشكل عبر تزويد السوق من مصادر أخرى.
– ثالثا، و هذه أهم نقطة، السيد رئيس الحكومة قال أنه “ياريت لو يجي من يشتري مصفاة سامير …!!” و ذكر بأن الملف عند القضاء، و أن هنالك صراعا كبيرا بين الأطراف المالكة سابقا للمصفاة و المتنازعة بشأنها.

هذه النقط، تستدعي مجموعة من الأسئلة منها :
* بالنسبة للنقطة الأولى، كيف يعقل أن الحكومتين السابقتين لم توفرا مخزونا احتياطيا استراتيجيا من المواد الطاقية؟ هل كان بإمكانها توفير ذلك، و لم تفعل؟ و لماذا ؟ و هل كانت لبلادنا التجهيزات لتخزين رصيد احتياطي من المواد الطاقية، لو أن الحكومات السابقة قامت بشراءه حين كان الثمن منخفضا ؟ و كيف يمكن تفسير كون الحكومتين السابقتين، قبلتا المخاطرة بترك البلاد دون رصيد احتياطي استراتيجي؟ و على من تقع المسؤولية في هذا الإخلال، إذا كانت الأمور قد جرت، فعلا، على الشكل الذي قاله السيد رئيس الحكومة الحالي؟ هل تقع المسؤولية على عاتق رؤساء الحكومة السابقين وحدهم، أم أن المسؤولية على عاتق كل أعضاء الحكومة و على الأحزاب التي شاركت فيها؟ و كيف يعقل أن موضوعا استراتيجيا كهذا، لم تنتبه إليه أحزاب المعارضة، في حينه، و لم تقم الدنيا حتى يتم تصحيح الوضع؟ و الآن، مع هذه الحكومة التي بدأت الخدمة في أكتوبر 2021، هل هنالك إرادة و استراتيجية لتوفير مخزون استراتيجي من المواد الطاقية لبلادنا في المستقبل؟ متى سينطلق تنفيذها، و كيف ذلك ؟

هذه النقطة، تذكرنا بتصريحات رسمية أشارت، قبل أسابيع، إلى أنه وقع على عهد الحكومتين السابقتين تأخير كبير في تنفيذ برنامج بناء السدود المائية، مما عرض بلادنا لخطر خصاص استراتيجي في مادة الماء، مع توالي سنوات الجفاف. و سواء في موضوع استراتيجية تعزيز احتياطنا من الموارد المائية، أو بشأن الرصيد الاستراتيجي من المواد الطاقية، تبدو الحاجة ملحة لتوضيحات تبين للرأي العام، أسباب هذا الإخلال بالمسؤولية و هوية المسؤولين عنه أو، على العكس، تطمئننا إلى أن الأمور لم تجر بالطريقة التي سمعناها في جلسة مجلس النواب، و أن هنالك حقائق أخرى.

* بالنسبة للنقطة الثانية، كيف يعقل أن الحكومة السابقة لم تخبر الفاعلين في سوق المحروقات بأن الغاز الجزائري سيتوقف ؟ و هل كانت هنالك، فعلا، حاجة لتخبرهم، بينما الأمر لم يكن سريا، بل معروفا من خلال وسائل الإعلام، و الجميع كان على علم بما تقوله الجزائر، التي لم تناقش الأمر مع أي كان، و قررت لوحدها توقيف تصدير الغاز عبر الأنبوب المغربي ؟ أم أن القصد هو شكل آخر من الإخبار كان يجب على الحكومة القيام به نحو الشركات الفاعلة و لم تفعل ذلك ؟

* بالنسبة للنقطة الثالثة، السيد رئيس الحكومة قال “يا ريت يجي اللي يشري لاسامير”، بما يعني أنه، هو شخصيا، ليس ضد إعادة تشغيل المصفاة. و هذه نقطة مهمة تقلب كليا الصورة التي كانت تروج عن الموضوع، و تتيح لنا فرصة نقاش عمومي هادئ بشأن مصفاة شركة لاسامير على أسس جديدة. في هذا السياق، إذا لم تكن هنالك أي معارضة رسمية لإعادة تشغيل لاسامير، فهذا يعني أننا ضمنيا متفقون على أن المصفاة يمكنها أن تلعب دورا في منح بلادنا إمكانيات توفير احتياطي استراتيجي من المحروقات، حيث بالإمكان حين تصبح المواد الطاقية في مستواها العادي في السوق الدولية، أن تنتج لاسامير و تخزن مشتقات النفط، لتوفير مخزون استراتيجي للطوارئ، بموازاة بيعها الوقود للشركات في السوق الداخلي.

و بالتالي، إذا كان الجميع يتفق على أهمية لاسامير، ماذا ننتظر ليصبح الهدف هو إعادة تشغيل الشركة بسرعة، سواء عن طريق تفويتها لمستثمر قد يأتي لشرائها، أو بطريقة أخرى تكون هي أفضل الطرق لحل المشكل؟ لماذا لازال ملف لاسامير، غارقا في متاهات المحاكم، و ما هي طبيعة المشكل الذي لم نجد له حلا عبر القانون و القضاء؟ ولماذا ننتظر مستثمرا خاصا، وطنيا أو أجنبيا، لنترك له، من جديد، مؤسسة حساسة و استراتيجية يفعل بها ما أراد…؟؟ بغض النظر عن كلفة الإنتاج مقارنة مع السوق الدولية، و رهانات الربح و الخسارة، لماذا لا يكون هدفنا هو تعبئة إمكانيات الدولة لشراء لاسامير، مع قبول مشاركة رأسمال خاص، وطني أو دولي، مساهمة في تعزيز مقومات السيادة الطاقية لبلادنا؟ لماذا لا نمنح أنفسنا فرصة توسيع هامش المناورة، خاصة في فترات تعرف فيها السوق الدولية للمحروقات تقلبات كبيرة، عبر تسريع استرجاع الدولة لمصفاة لاسامير و ضمها لممتلكات الدولة المغربية؟

هي مجموعة أسئلة بدت لي مهمة في أعقاب ما كان من نقاش في مجلس النواب، يوم الإثنين، خاصة أن السيد رئيس الحكومة ظهر بأسلوب تواصلي أكثر تحررا من واجب التحفظ المعهود فيه، و سجل نقطا أكيدة لصالحه. و يبقى المهم في ما قيل، أنه يفتح أبوابا يتعين أن ندخلها لفهم أسباب قرارات اتخذتها الحكومتان السابقتان، بشأن ملفات عديدة، و أنتجت الأثر الضاغط الذي نلمسه في واقعنا الحالي، سواء في ملف استراتيجية تدبير الرصيد المائي ببلادنا، أو في محور الاستراتيجية الطاقية.

طبعا، للأطراف المعنية الحق في توضيح الصورة من زاوية نظرها، عبر تقديم إجابات عن التساؤلات المطروحة، و تبرير الاختيارات التي قامت بها حين كانت في دفة قيادة الحكومة. و لعل ذلك هو ما فعله رئيس الحكومة السابق، السيد عبد الإلاه بن كيران، يوم الثلاثاء الماضي عبر لايف جديد بثه على صفحته على الفيسبوك. و قد سمعناه يؤكد أنه هو من قرر وقف دعم المحروقات، و أوقف دعم صندوق المقاصة للمواد الاستهلاكية و للوقود، من منطلق قناعة خاصة لم يفرضها عليه أحد، لإيمانه أنه “إذا عاش النسر، يعيشوا أولاده!”، بمعنى أنه “إذا حافظنا على التوازنات المالية العمومية سنحافظ على قدرات الدولة على التدخل لحماية المواطنين، و ضمان الاستقرار”.
وبالتالي، المسؤولية تقع على عاتق السيد بن كيران في قرار تحرير سوق المحروقات. و حتى لو سلمنا بأن قراره نفع كثيرا ميزانية الدولة و خفف الأعباء عنها، إلا أنه زاد من صعوبات الحياة على المواطنين، و قوى الضغط على الطبقة المتوسطة في بلادنا، و أضعف القدرة الشرائية للناس، و تركنا جميعا دون حماية أمام تغول السوق الليبرالي في غياب تسقيف الأسعار و توقف مساهمة صندوق المقاصة.

لكل ما سبق، تسائلت كيف لم يهتم عدد كبير من المتفاعلين في مواقع التواصل الاجتماعي، مع ما قيل في جلسة الإثنين بمجلس النواب، باعتباره امتدادا للنقاش الجاري في المجتمع حول غلاء المعيشة و تراجع القدرة الشرائية للمواطنين؟ أم أن هنالك سجال أهم من البحث في سبل المحافظة على القدرة الشرائية للمواطنين و في كيفية مواجهة الغلاء، باعتبار ذلك أولوية تستحق كامل التركيز و النقاش الرصين؟

بصدق، لم أجد في سجال “الشيخ و الشيخة” أي فائدة مؤكدة، بالنظر إلى غياب تأطيره بالضوابط المنهجية اللازمة و الهدوء الواجب. و قناعتي هي أن الظرف الحالي، لا يجب أن يعلو فيه أي سجال على النقاش العمومي الرصين حول سبل حماية القدرة الشرائية للطبقات المتوسطة و المحدودة الدخل، و ضرورة الترافع لدى الحكومة من أجل بلورة حلول لأزمة ضاغطة، و الانخراط في إنجاح عدد من البرامج الجديدة التي تهدف إلى تعزيز الإدماج الاقتصادي للشباب و خلق فرص شغل، و حماية المقاولات المغربية، حتى نخرج جميعا من عنق الزجاجة.

زر الذهاب إلى الأعلى