أخبار الدار

قضية الصحراء على إيقاع التطورات المُبشِّرة

الدار/ رشيد عفيف

هناك معطيات متسارعة تحيط بقضية الصحراء المغربية من كل الجوانب. تسارع المستجدات لا شك يقود إلى تسارع في النتائج والتوقعات. هناك ربيع يعصف ببقايا نظام جبهة التحرير في الجزائر والتي لطالما كانت أكبر داعم للانفصاليين، وهناك اعتراف أوربي وأمريكي للمغرب بحقه في إدارة أقاليمه الجنوبية والتصرف في ثرواتها وخيراتها. وهناك خفوت تام في الصوت الجزائري الذي عهدناه في جولات المفاوضات الخاصة بملف الصحراء يرافع لمصلحة الانفصال، وهناك أيضا انحناء واضح أمام العاصفة لقيادة البوليساريو التي اتجهت بسرعة نحو تفكيك الألغام التي زرعتها بالمناطق الصحراوية، وبعد كل هذا وذاك، زيارة مرتقبة لمساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية، دايفيد هيل، للمغرب منتصف الأسبوع المقبل.

هذه المعطيات كلها تعيد إحياء هذا الملف الذي خرج منذ اندلاع النزاع المفتعل من على رأس قائمة أولويات المنتظم الدولي. وتتعزز هذه الديناميكية بالتقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة حول قضية الصحراء. في هذا التقرير الذي اعتاد مجلس الأمن أن يستمع فيه إلى جرد للوقائع المتكررة وبعض الخروقات المسجلة بهذا الخصوص، علت نبرة من التفاؤل خطاب الأمين العام الذي فضل التركيز على بعض جوانب الأمل في مسار هذا الملف خصوصا عندما أشار إلى اليد الممدودة من قبل الملك محمد السادس للجزائر في الخطاب الملكي لـ6 نونبر 2018 بمناسبة الذكرى الـ43 للمسيرة الخضراء. فقد أكد أنطونيو غوتيريس، في هذا التقرير، على أن الملك كان قد دعا إلى الوحدة المغاربية واقترح “إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور” بين المغرب والجزائر “دون شروط أو استثناءات وبأجندة مفتوحة”، وهي مبادرة تعكس رغبة المملكة في المضي قدما إلى الأمام وفتح صفحة جديدة في العلاقات مع بلد جار.

ومن الظاهر أن التنسيق بين الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي هورست كوهلر بخصوص هذا الملف بلغ أوجه كما لم يكن في السابق عندما كان بعض المبعوثين يتجاوزون حدود صلاحياتهم واجتهاداتهم بخصوص هذه القضية. فكما شابت روح التفاؤل خطاب المائدة المستديرة المنعقدة أخيرا بجنيف في إطار جولات اللقاء بين الأطراف استعاد التقرير الأخير الروح ذاتها ليعيد التأكيد على ضرورة بناء الثقة وبعث الأمل لحل هذا النزاع. وعلى ما يبدو فإن الأمم المتحدة والقوى الدولية التقطت الإشارة الجيواستراتيجية الهامة التي ترسلها ظروف المنطقة. فالحراك الجزائري يلقي بظلاله على معطيات ملف الصحراء ومن المحتمل أن يكون له نتائج عميقة وجذرية بالنظر إلى الدور المركزي الذي تلعبه الجزائر في إطالة عمر هذه القضية والحفاظ على حالة اللاحرب واللاسلم، المفضية بدورها إلى حالة اللاحل.

ويضع هذا المستجد المغرب اليوم أمام تحدي دبلوماسي كبير يدعوه إلى مضاعفة الجهود من أجل استغلال هذه الظرفية التاريخية لإنهاء هذا النزاع تحت السيادة المغربية. وفي هذا الإطار فإن زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية، دايفيد هيل المرتقبة في الأسبوع المقبل تعتبر محطة هامة في طريق هذه التحديات الدبلوماسية. فالمسؤول الأمريكي يعتبر بمثابة المكلف بتتبع ملف الصحراء داخل الإدارة الأمريكية الحالية، ومن المتوقع أن يحل قبل الرباط بباريس التي يعتبر موقفها من أكبر الداعمين للوحدة الترابية للمغرب. وبالنظر إلى الجرأة التي تمثلها المقاربة الجديدة لإدارة ترامب للعديد من الملفات الدولية العالقة فإن من المتعين على الدبلوماسية المغربية أن تعزز من احتمالات حل النزاع بحل سيادي من خلال المزيد من التنسيق الإدارة الأمريكية التي تمر علاقات المغرب بها بأحسن ظروفها.

ومن المرتقب أن تمثل محطة مناقشة تقرير الأمين العام للأمم المتحدة نهاية شهر أبريل الحالي، ثم التصويت على قرار بخصوص بعثة المينورسو مؤشرين هامين على حدود التطورات التي يمكن أن تعرفها القضية. فمن المتوقع أن تدلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن بمواقفها وآرائها بخصوص مستقبل النزاع في ظرفية تتميز بدعم أفريقي رسمي ومعلن لأول مرة للحل السياسي. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى