مراكش..كلمة رئيس الحكومة في الجلسة الافتتاحية لمجلس محافظي البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية
ألقى عزيز أخنوش رئيس الحكومة صباح اليوم الأربعاء بمدينة مراكش كلمة في الجلسة الافتتاحية لمجلس محافظي البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، ملفتا النظر إلى انعقاده في ظرفية استثنائية غير مسبوقة مهنئا المنظمين على الاختيار الموفق لموضوع الاجتماع السنوي للبنك الذي ينعقد تحت شعار “رفع التحديات في عالم متقلب”.
وفي ما يلي الكلمة الكاملة لرئيس الحكومة:
يسرني أن أفتتح اليوم أشغال الاجتماع السنوي لمجموعة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية لسنة 2022، الذي تفضل صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بإضفاء رعايته السامية عليه، تقديرا من جلالته للدور المتميز الذي يضطلع به البنك في إرساء دعائم التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وتعزيز أواصر التعاون والتكامل بين الدول.
وأود في مستهل هذه الكلمة، أن أرحب بكم جميعا على أرض المملكة المغربية، بين رحاب مدينة مراكش، التي تتشرف هذه السنة باحتضان فعاليات هذا الاجتماع الهام، على غرار تظاهرات دولية سابقة تشرفت بلادنا بتنظيمها في هذه المدينة العريقة، أذكر منها على وجه الخصوص إحداث منظمة التجارة العالمية واحتضان الدورة 22 لمؤتمر (COP 22)، كما و ستحظى مراكش، سنة 2023، بشرف تنظيم الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي و صندوق النقد الدولي.
كما أود بهذه المناسبة أن أهنئ السيدة (Odile RENAUD BASSO)، رئيسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، على جهودها الحثيثة الرامية لتطوير أداء وخدمات هذه المؤسسة، وتوطيد دعائمها، والرفع من دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
حضرات السيدات والسادة،
ينعقد هذا الاجتماع السنوي لمجلس محافظي البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، الذي تنطلق أعماله اليوم، في ظرفية دولية غير مسبوقة. وفي هذا الإطار، أنوه بالاختيار الموفق لموضوع الاجتماع السنوي للبنك الذي ينعقد تحت شعار “رفع التحديات في عالم متقلب”، حيث يمثل هذا الاجتماع فرصة سانحة للتشاور والحوار حول التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لمستجدات الظرفية ومحطة للتأمل في الآفاق المستقبلية.
فكما تعلمون، يعيش العالم منذ سنة 2020 على وقع أزمات متتالية، انطلقت بأزمة كوفيد-19 التي تسببت في ركود اقتصادي غير مسبوق. ومع بروز آمال تحسن الوضعية الصحية وبداية انتعاش الاقتصاد العالمي 2021، انطلقت أزمة جديدة مرتبطة بارتفاع أسعار المواد الأولية بفعل ارتفاع الطلب. وتفاقمت في بداية هذه السنة حدة التضخم على خلفية تصاعد الاضطرابات الجيوستراتيجية، واندلاع الأزمة الأوكرانية، وهو ما شكل صدمة بالنسبة للاقتصاد العالمي.
وللإجابة عن هذه التحديات، لا يمكن أن يقتصر الأمر على تسجيل صعوبة المرحلة أو تدارس آثارها فحسب، بل يجدر توحيد جهود مختلف الفاعلين دوليا، بروح مسؤولية مشتركة، من أجل إيجاد الحلول الكفيلة بإخراج العالم من هذه الأزمة وتخفيف آثارها على الاقتصادات الوطنية، خاصة على الدول متوسطة ومنخفضة الدخل؛ حيث تعاني الدول النامية خاصة من العجز الحاصل في التوازن بين العرض والطلب فيما يخص المواد الأولية المستوردة، وينتج عن استمرار هذا الوضع تفاقم سلوكات غير مستدامة: فهل يعقل مثلا أن تستعمل الأراضي الفلاحية كمصادر إنتاج بديل للطاقة، في حين أن العالم في حاجة لتوافر المنتوجات الغذائية الأساسية وبأثمنة معقولة؟ وهل من المستدام أن تثقل دول كاهلها بديون تخصص لدفع أثمنة استيراد متصاعدة وتبعثر أولوياتها التنموية؟
حضرات السيدات والسادة،
لقد أرخت هذه الأزمات المستوردة بظلالها على اقتصادنا كما كل الاقتصادات الوطنية، واتخذت بلادنا، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، مجموعة من الإجراءات الاستباقية الهادفة، كانت محط إجماع وإشادة وطنيا ودوليا. وإذ نسجل بارتياح عودة الاقتصاد المغربي إلى مسار النمو السائد قبل الجائحة بنسبة نمو تناهز 7،6٪ مقابل توقعات أولية آنذاك في حدود 5٪ لسنة 2021، إلا أن الظرفية الحالية تجعل بلدنا أمام تحديات كبرى ذات أبعاد وطنية ودولية ونحن مدعوون لرفعها في عالم متقلب، كما جاء في شعار هذا الاجتماع.
ولهذه الغاية، شرعت بلادنا في تفعيل خطة طموحة للإنعاش الاقتصادي، تهدف أساسا لإحداث طفرة نوعية في هيكلة الاقتصاد الوطني من خلال تشجيع القطاعات الواعدة ذات القيمة المضافة العالية، وتحفيز الاقتصاد الأخضر والرقمي والرفع من نسبة إدماج النساء في سوق الشغل والتعجيل باستعادة قدرات القطاعات الإنتاجية، تماشيا مع التوجهات الاستراتيجية لسياسة اقتصاد السوق والمبادرة الخاصة التي ينهجها المغرب منذ عقود.
ولإنجاح هذا الورش، تولي بلادنا اهتماما خاصا لخلق بيئة أعمال جذابة تعزز تنمية الاستثمار الخاص، المحلي والأجنبي على حد سواء، وتبذل جهودا مهمة لتبسيط الإجراءات الإدارية، وتطوير القطاع المالي، ودعم الاستثمار الخاص، خاصة من خلال إصلاح ميثاق الاستثمار، للوصول إلى ثلثي إجمالي الاستثمارات بحلول عام 2035.
كما تم إحداث صندوق محمد السادس للاستثمار لتسريع جهود الإقلاع الاقتصادي، من خلال مساهمته في تمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى ومواكبتها على الصعيدين الوطني والترابي، مع فسح المجال للشركاء المؤسساتيين الدوليين للاستثمار في هذا الصندوق.
وتعكس أهمية هذه المجهودات ثقة بلادنا في حجم إمكاناتها الاستثمارية المهمة، وكذا طموح المغرب كبلد ينعم بالاستقرار السياسي وبموقع جغرافي إستراتيجي للتموقع كمنصة إقليمية للإنتاج والتصدير، انسجاما مع التوجهات الاستراتيجية لبلادنا الرامية لتعزيز الانفتاح الاقتصادي و تسريع وتيرة الاندماج في سلاسل القيمة العالمية، بالموازاة مع مواصلة جهودنا لتدعيم وإرساء المسار الديمقراطي وترسيخ دولة الحق والقانون.
حضرات السيدات والسادة،
لا تفوتني الفرصة لأتقدم بالشكر الجزيل للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية على مواكبته المستمرة لمجهودات التنمية التي انخرط فيها المغرب. كما أغتنم هذه الفرصة لدعوة البنك، ومن خلاله كافة الشركاء الاقتصاديين للمغرب، للاستمرار في دعم جهودنا التنموية، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
كما أدعو كافة الشركاء الاقتصاديين، وعلى وجه الخصوص المستثمرين الأجانب، لاستثمار عوامل القرب الجغرافي وكثافة العلاقات الاقتصادية والتاريخية التي تجمعنا مع بلدان قارتنا الإفريقية، للرفع من حجم استثماراتهم في هذا القطب التنموي الواعد، وسيجدون منا كل الدعم والمواكبة لتنزيل مشاريعهم الاستثمارية انطلاقا من المغرب.
وفي ختام هذه الكلمة، يسعدني أن أجدد الترحيب بكم جميعا، وأتمنى لكم مقاما طيبا بالمغرب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.