أخبار الدار

قراقي: بعد ولايتين حكوميتين لن يستطيع البيبجيدي توظيف خطاب المظلومية مجددا

الدار/ حاوره: رشيد عفيف

يعتبر عبد العزيز قراقي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، في هذا الحوار أن حزب التجمع الوطني للأحرار عرف تحولا في إيديولوجيته وأصبح يمتلك خطابا شبيها بخطاب أحزاب المعارضة. ويؤكد في هذا السياق أن عملية التحول هذه تقتضي أن يتحول من حزب إداري أسس لغاية محددة في الزمن، إلى حزب يتبنى مفهوم النضال كسلوك يومي. ويكشف الباحث في العلوم السياسية أن حزب العدالة والتنمية بالمقابل بدأ يتعود على رحيل زعيمه، مضيفا أن اختياراته الاقتصادية والاجتماعية قد تؤثر سلبا على شعبيته.

–  يعرف التحالف الحكومي صراعا بين قطبيه التجمع والبيجيدي يطفو بين الفينة والأخرى على السطح. هل يتعلق الأمر بارتدادات البلوكاج الشهير أم بمحاولة للتموقع المبكر؟

– كل المتتبعين للشأن الحزبي بالمغرب يدركون التحول الذي شهده حزب التجمع الوطني للأحرار، منذ وصول زعيمه السابق صلاح الدين مزوار حيث تزامن ذلك مع تغيير إيديولوجيته الوسطية التي كانت تجعل منه طرفا لا غنى عنه في كل التشكيلات الحكومية و أصبح حزبا بخطاب جديد شبيه بذلك الذي كان يميز الأحزاب المعارضة، وقد ظهر هذا الأمر بشكل جلي بعد دستور 2011 وتأسيس حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية، واستمر هذا الأمر وإن بشكل خافت، عندما عوض التجمع حزب الاستقلال المنسحب من حكومة عبد الإله بنكيران، غير أن الانتخابات الأخيرة ومجيء قيادة جديدة إلى الحزب استطاعت أن تبلور استراتيجية جديدة، وظفت فيها الفراغات الموجودة في الدستور لتحول حزب التجمع الوطني للأحرار من حزب مكمل إلى حزب متحكم في مسار التحالفات التي تلت الانتخابات الأخيرة، بل تمكن عبر مناوراته من تحويل أغلبية حزب العدالة والتنمية إلى رقم بدون قدرة، وبطبيعة الحال ما حدث فيما بعد معروف، وقد ترك أثره على الحياة السياسية المغربية.

وبالرغم من أن الحكومة تشكلت فيما بعد، ولكن أحدث ذلك نوعا من التوجس والشك والريبة في العلاقات بين حزب العدالة والتنمية وحزب التجمع الوطني للأحرار، وانعكس ذلك أحيانا على العمل الحكومي، إذ بات شعور ما فتئ يتعزز، يتمثل في كون الحكومة لن تستطيع أن تستمر طويلا بسبب التنافر الموجود بين طرفيها الأساسيين. وإذا كانت مواصلة العمل الحكومي تقتضي نوعا من الانسجام فإن طبيعة الأزمة التي اعترت تأسيس الحكومة جعلت الحد الأدنى منه الذي يسمح بدوران العجلة هو فقط الموجود، ونظرا لتقاسم نفس الشعور فإن كل حزب يسعى كلما سنحت الفرصة بذلك يسعى إلى استغلال ذلك للتعبير عن تباعد وجهات النظر بخصوص بعض القضايا التي تحظى باهتمام الرأي العام، بحيث تتحول القوى السياسية الموجودة في الحكومة وفي نهاية الأسبوع إلى قوى سياسية تعمل من أجل كسب الرأي العام في أفق انتخابات مقبلة. 

– أطلق حزب التجمع الوطني للأحرار دينامية تواصلية مبكرة يطرح فيها أهدافه بخصوص الإصلاحات بعد الانتخابات المقبلة. بماذا تفسر هذه الانطلاقة المبكرة لحملة الحزب؟

– لقد دخل حزب التجمع الوطني للأحرار مرحلة التحول ــ كما سبق أن أشرت إلى ذلك ــ منذ مدة ليست بالقصيرة، وهذه العملية تقتضي أن يتحول من حزب إداري أسس لغاية محددة في الزمن، إلى حزب يتبنى مفهوم النضال كسلوك يومي، عبر نهج سياسة تعتمد القرب كوسيلة للتواصل مع المواطنين، إن الحزب فهم أن الكثير من الأمور تغيرت بالمغرب وأن الفوز في الانتخابات طريق شاق وطويل ويمر عبر التوفر على آلة انتخابية تستطيع أن تضمن للحزب مكانته على مستوى المشهد السياسي، وتواصلا يضمن الفعالية، وبناء شبكات من المصالح تشجع على الانخراط في الحزب، للتوفر على رصيد مهم من الناخبين الذين سيصوتون بالفعل لفائدة الحزب، وبعد ذلك يمكن أن يبحث عن متعاطفين يعززون رصيده من الأصوات. لقد وضع الحزب منذ مدة نصب عينيه هدفا واحدا وهو قيادة الحكومة الأمر الذي من الضروري أن يمر عبر الفوز في الانتخابات المقبلة، غير أن هذا الأمر يتطلب أيضا نخبا مؤهلة وقادرة على إحداث التحول.

– يبدو أن المشهد السياسي والحزبي يتم اختزاله في هذين القطبين. إلى أي حد يعكس ذلك مكونات المشهد السياسي المغرب إذا اعتبرنا أن التجمع حزب الدولة والبيجيدي حزب يمثل التيار الإسلامي؟

– أظن أن المشهد السياسي المغربي تميز باستمرار بتنافس قطبين، غير أن هذا الأمر سيكون بشكل مختلف بعد دستور 2011، حيث تقوى حزب العدالة والتنمية و استفاد من شيخوخة بعض الأحزاب التي لم تجدد نخبها، وباتت غير قادرة على مسايرة التطورات السياسية والتحولات العميقة التي يشهدها المجتمع المغربي، وصاغ حزب العدالة خطابا سياسيا برغماتيا يعتمد مقاربة أخلاقية طوباوية  أحيانا  تتمحور حول بعض القضايا الحساسة، وقد استفاد الحزب من مناخ ما سمي بالربيع العربي، وظهر بمظهر القوة السياسية القادرة على تقديم البديل وبهذه الصفة استطاع أن يقنع المواطنات والمواطنين ويتبوأ المشهد السياسي، وعودة إلى سؤالك أنا أعتبر كل الأحزاب أحزاب دولة، حيث هناك مساواة من هذه الناحية، ربما قد يبدو جوابي غريبا إلى حد ما ولكنه الواقع، كل الأحزاب تخضع لنفس القانون، وتسلك نفس المسطرة  قبل التأسيس إلى غير ذلك من الأمور والإجراءات المرتبطة بالعمل الحزبي والسياسي التي تلزم جميع الأحزاب باحترامها بدون استثناء، وإذا نحن أخذنا بعين الاعتبار الشرط الملزم الذي يحرم تأسيس الأحزاب على أساس ديني فإننا نستبعد فكرة اعتبار حزب العدالة والتنمية كممثل للتيار الإسلامي بل هو حزب نبت في التربة المغربية، يمنع عليها مثلما هو الأمر بالنسبة لغيره احتكار الثوابت لوحده. وأظن أن ابتعاد الحزب عن حركة التوحيد والإصلاح له أكثر من دلالة. 

– لحقت حزب العدالة والتنمية مجموعة من الأحداث التي طالت بعض رموزه كبنكيران وماء العينين. ما حدود انعكاس هذه الأحداث على صورة الحزب وشعبيته؟

– اختار حزب العدالة والتنمية الديمقراطية الداخلية، حتى وإن اقتضى ذلك التضحية بزعيم كان له دور حاسم في بلورة خطاب تواصلي ساعد الحزب على النجاح، وبعد ذهابه أخذ الحزب يتعود على غياب زعيمه والاستئناس بأسلوب خلفه، غير أنه بالفعل تحدث بعض الأحداث من وقت لآخر تجعل الحزب في الواجهة مثل طلاق الوزير يتيم، وظهور ماء العينين بدون حجاب في بعض الصور، وأظن أن تأثير هذه الأحداث يبقى محدودا، وقد لا تؤثر على شعبية الحزب، بينما الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية غير الشعبية هي التي قد تؤثر سلبا على مستقبله، لقد منحه الناخبون ثقتهم وعليه أن يثبت أهليته واستحقاقه لذلك من خلال  اقتراح برامج، قادرة على تحويل حياة الناس نحو الأحسن، وأظن أن الحزب لن يستطيع مستقبلا أن يوظف من جديد خطاب "المظلومية" لقد بوأه الناخبون الصدارة لولايتين، وقبلوا ببعض الاختيارات حتى وإن كان قاسيا تحملها ما دامت تنحو نحو المصلحة العامة، غير أن البعض منها ظهر بل تأكد عدم صوابه، وانعكس سلبا على حياة المواطنين.

– يبدو أن المشهد الانتخابي 2021 سيكون ساخنا لكنه في الوقت نفسه يتسم بنوع من الضبابية التي يصعب بسببها توقع نتائجه. إلى أي حد يمكن أن يمثل هذا الاستحقاق تحديا أمام الدولة والأحزاب معا؟

– أخشى أن يكون  مسار تأسيس الحكومة والمخاض الذي شهدته الحياة السياسية عقب ذلك، قد ترك أثرا سلبيا على سلوك الناخبين، غير أنه لن يؤثر في العمق إلى حد نفور الناخبين من جهة والتحول إلى أخرى، فالمناضلون المنتمون للأحزاب قد يصوتون لفائدة الجهة التي ينتمون إليها، بينما المتعاطفون فهؤلاء يصعب التحكم في حركيتهم. لقد شكلت نسبة المشاركة في الانتخابات باستمرار قضية مؤرقة، وحلها قد يكون رهينا بالعروض السياسية التي ستقدمها الأحزاب، وطبيعة التواصل السياسي الذي سيدشن قبل موعد الانتخابات، إن هناك قضية أساسية تؤرق بال المغاربة وهي المتعلقة بالبطالة، خاصة في صفوف الخريجين الشباب، ولعل الحلول التي قدمت لحد الآن لها لازالت محدودة الفعالية، إن إفبال المواطنين على صناديق الاقتراع يمر عبر إحداث ديناميكية جديدة في الحياة السياسية، تمر عبر استكمال البناء الدستوري، والتصالح مع الشباب من خلال إعادة الطمأنينة له عن طريق سياسات عمومية واضحة قادرة على إدماجه في المسلسل الاقتصادي والاجتماعي بشكل طبيعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

14 − 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى