افتتاحية الدار: مشاركة المغرب في ألعاب وهران تحرج الكابرانات.. طرد الصحافيين المغاربة استدامة للقطيعة
الدار/ افتتاحية
الخطوة التي أقدمت عليها السلطات الجزائرية بترحيل الصحافيين المغاربة الموفدين لتغطية أحداث ألعاب البحر الأبيض المتوسط بوهران ومنعهم من دخول التراب الجزائري تعتبر دليلا على حالة التشنج والارتباك التي يعيشها نظام الكابرانات المتوجس من صوت الصحافة والإعلام مهما كان تخصصه ومجال اهتمامه. لا يتعلق الأمر بمحللين سياسيين أو صحافيين مراسلين وإنما بمجموعة من الصحافيين الرياضيين الذين سافروا إلى الجزائر كغيرهم من الصحافيين القادمين من بلدان أخرى من أجل مواكبة المسابقات الرياضية ومتابعة المشاركة المغربية على الخصوص في هذه الألعاب التي تحتضنها عاصمة الغرب الجزائري وهران. لماذا تخاف السلطات الجزائرية إذن من وجود صحافيين مغاربة على أراضيها في إطار نشاط رياضي دولي؟
من الواضح أن هذا القرار المخابراتي لا تتحكم فيه الإجراءات الأمنية فقط بقدر ما هو قرار سياسي محكوم بحسابات نظام العسكر الذي تلقّى في الشهور القليلة الماضية الكثير من الصفعات على مستوى المواجهة الدبلوماسية الميدانية مع المغرب. الكابرانات يبحثون عن انتصار ولو صغير على المغرب في أي معركة أو مواجهة كانت، ويعتقدون أن خطوة خرقاء كهذه التي أقدموا عليها يمكن أن تمثل ردا مناسبا على كل الهزائم التي لحقتهم سواء فيما يتعلق بفشلهم في اختلاق أزمة الغاز بوقف خدمة أنبوب المغرب العربي أو فيما يخص الصدمة التي مثلها موقف الجارة الإسبانية من قضية الصحراء المغربية، وما مثّله من انعطافة تاريخية في هذا المجال.
هكذا هي عقلية الكابرانات الضيقة الأفق، عقلية محكومة بوساوس الماضي وهواجس الحاضر، تتوهم أن السلطات المغربية والمؤسسات الوطنية في المغرب ليس لها من شغل شاغل إلا الكيد لنظام العسكر ولكل مكوناته وقادته، وأن كل الخطوات التي يقدم عليها المغرب من أجل تطبيع العلاقات معهم ليست سوى شكلا من أشكال التآمر والتواطؤ ضدهم وضد بلادهم. لقد قدم المغرب باستمرار كل مبادرات التقارب الممكنة سواء من خلال رسائل مباشرة أو بخطوات دبلوماسية موحية، ولم يتردد في إرسال وفد رياضي معتبر إلى وهران يضمن 137 مشاركا لإنجاح هذه الدورة التي تحتضنها الجزائر، وقد مثّلت هذه المشاركة الوازنة في حد ذاتها رسالة إخاء ومودة كان من المفترض أن يتلقاها الطرف الآخر بقبول دبلوماسي ذكي، لكن الكابرانات للأسف لا يفوتون فرصة من هذه الفرص دون تعميق الأزمة وقتل إمكانات التطبيع والتهدئة.
فطرد وفد إعلامي مغربي من بلد جار لا يمكن وصفه إلا بكونه تصعيدا مقصودا غايته الرئيسية كما ذكرنا خلق انتصارات صغيرة وهمية، ولكن الغاية الأهم من ورائه هي استدامة حالة الأزمة وأجواء القطيعة بين البلدين، لأسباب داخلية بالأساس. ليس من مصلحة نظام الكابرانات أبدا أن يحدث تبادل وتفاعل رياضي وإنساني وإعلامي بشكل طبيعي يُظهر حقيقة الأزمة المصطنعة التي يقف وراءها العسكر، سواء من خلال الإصرار على إغلاق الحدود البرية أو من خلال مواصلة التآمر على الوحدة الترابية للمغرب. ولعلّ تعامل السلطات المغربية مع الحدث الرياضي بوهران بشكل طبيعي وإيفاد أعداد كبيرة من المواطنين المغاربة الرياضيين والإعلاميين إليها خلق نوعا من الحرج للكابرانات الذين كانوا دائما يحاولون من خلال إعلامهم الموجّه إظهار المغرب بمظهر الطرف المتسبب في الأزمة والقطيعة، وهو الانطباع الذي نجحت المقاربة المغربية في كشفه من خلال التعاطي الإيجابي مع حدث ألعاب البحر الأبيض المتوسط المنظمة على التراب الجزائري.
لقد كان الكابرانات يرجون أن يتعامل المغرب بنوع من التشنج مع هذا الحدث الرياضي فتُقرر السلطات المغربية مثلا مقاطعة الألعاب المتوسطية ليتم استثمار هذا القرار بشكل سياسي وحشر المغرب في الزاوية باعتباره هو المصرّ على توتر العلاقات بين البلدين. لقد كانت هذه الصورة المأمولة حلما بالنسبة لنظام العسكر من أجل الاستمرار في بروباغندا التجييش الداخلي ضد المغرب وكذا من أجل تشويه صورة المغرب إقليميا وعربيا، لكن الحكمة التي اعتادت السلطات المغربية أن تتعامل بها مع كل ما يتعلق بالعلاقات مع الجزائر كسرت هذا الأفق ووضعت الكابرانات أمام مسؤولياتهم ليلجؤوا كما هي عادتهم إلى منطق المنع والحظر بطرد وفد إعلامي ذهب إلى الجزائر كباقي الوفود الأخرى لأداء مهمته الصحافية.