بقلم : يونس التايب
ككل مرة تقع فيها، في مكان ما من بلادنا، أحداث تكون القوات العمومية أحد أطرافها، تنطلق نفس الجهات المترصدة لما يجري في واقعنا، في محاولاتها لإخراج الأحداث من سياقاتها، و فرض قراءات تحمل، في غالب الأحيان، إدانة مسبقة لكل فعل عمومي رسمي، حتى لو كان قد تم ضمن إطار القانون. فتصبح الدولة مطالبة بأن تبرر مسؤوليتها عن الأحداث من موقع الدفاع عن الذات، و صد ما تنشره شبكة التحريض التي تجند قنواتها التواصلية لنشر صورة غير مطابقة بالضرورة لحقيقة ما جرى. و كأننا الدولة ومؤسساتها تذنب حين تحرص على القيام بمهامها في تطبيق القانون و فرض هيبته. ليتأكد أن ما يهم المتربصين، في نهاية المطاف، هو تكثيف فرص تسجيل الإدانة على المغرب و ترسيم الإساءة إلى صورته.
للأسف، منذ ثلاثة أيام، نعيش وضعا تحريضيا مشابها، بعد ما جرى في السياج الحدودي بين الناظور و مليلية، رغم أن الفيديوهات التي وثقت الأحداث تؤكد بوضوح أن المهاجرين السريين هم من نزلوا من الجبل الذي جعلوه محل إقامة غير شرعية، و هم مسلحين بهراوات و عصي و حجارة، و رفضوا الانصياع لأوامر القوات العمومية و تحدوا الطلبات الموجهة إليهم بإخلاء المكان. ثم بادروا إلى رشق عناصر الأمن و القوات المساعدة و الدرك الملكي بالحجارة بشكل مكثف و عنيف، بغرض إلحاق الضرر بأفرادها. و هذا يؤكد أن هجوم المهاجرين السريين، كان منظما مع سبق الإصرار و الترصد، و الخطوات مبرمجة بعناية و التنسيق مضبوط و مؤطر بشكل محكم. لذلك، من الصعب أن نقبل بما يروجه بعض المتحاملين، من تأويلات مبنية على تحاليل غير دقيقة تكذبها غالبية الفيديوهات التي توثق الهجوم، منذ مراحله الأولى.
#بكل_وضوح ما جرى بين الناظور و مليلية لم يكن مباراة في كرة القدم، حتى يمكن للمهتمين أن يقولوا بشأنها : “كان على اللاعب الفلاني فعل كذا و كذا …” و “كان على المدرب اتخاذ القرار الفلاني بشأن كذا و كذا …!”. لا … نحن نتحدث هنا عن الأمن العام، و عن تدبير طمأنينة الناس في مجال جغرافي مفتوح، و نتحدث عن تفاعل فوري لقوات عمومية مع هجوم قام به أكثر من 2000 شخص في محاولة لاقتحام سياج حدودي. و لا منطق في أن يعتقد من هو جالس يحتسي قهوته و يحلل ما جرى من خارج سياقه، أن يعتقد أن بإمكانه تقدير ما يجب فعله و ما لا يجب، و “الاجتهاد” في توصيف الطريقة الأمثل لتدبير الموقف في حالات مماثلة.
المعروف للجميع هو أن تدبير الاحتكاكات في الفضاء العام، تضبط قواعده عدد من القوانين المعمول بها. و تلك مسؤولية المصالح التي يخول لها تأطير المجال عبر عناصرها التي تتواجد في الميدان، و التي تخاطر بحياتها في كل دقيقة كي تؤدي واجبها الأمني على الوجه الأكمل. و للدولة سلطاتها الرقابية المؤسساتية، التي تدقق في مناهج العمل المعتمدة، و تتخذ ما تراه مناسبا للتعاطي مع أي اختلالات محتملة الوقوع. كما أن القضاء يمكنه، أيضا، أن يدخل على الخط عند الاقتضاء. و بالتالي، و نحن نعبر عن خالص الأسى على الضحايا الذين سقطوا من مواطني عدد من البلدان الإفريقية، تسللوا إلى ترابنا الوطني بشكل غير قانوني، نسجل حقيقة أن غالبية الضحايا قضوا بفعل التدافع الشديد و الاختناق، و كذا من أثر سقوطهم من أعلى الجدران والحواجز التي تسلقوها. و إذا كان محتملا أن يكون بعض الضحايا قد قضوا في التدافع مع القوات العمومية، فذلك أمر نأسف له، لكنها حالات ممكنة في أجواء صخب ضبط الأمن من طرف القوات العمومية و هي في قلب عاصفة العنف والرشق بالحجارة، تحاول تأمين الحدود من زحف 2000 رجل مسلحين بالهراوات، يسيرون بهيجان واضح في الفيديوهات، بغرض خرق القانون و تحدي السلطات.
لذلك، يجب أن نركز في تواصلنا على أن ما جرى، أطلق شرارته المهاجرون السريون بهجومهم العنيف و المرفوض بشكل مطلق. و يتعين البحث في المعطيات التي تفيد بأن ما جرى في السياج الحدودي بين الناظور و مليلية، هو عمل تخريبي وراءه مافيا متخصصة في التهريب، وراءها، في الغالب، أيادي عدائية تتحرك بقصد إيذاء بلادنا. و إذا تأكد ذلك، سيكون الأمر موجبا للإدانة و التطبيق الصارم للقانون، لأن تعمد الإساءة إلى صورة المغرب بافتعال مشاكل لا تعكس حقيقة الواقع و لا السياسة التي ينتهجها المغرب في تدبيره لملف المهاجرين غير الشرعيين، أمر غير مقبول و لا ينبغي أن يمر دون ترتيب الجزاءات التي يستوجبها الموقف.
من دون شك، الظرف العالمي و الجهوي دقيق، و يحتاج منا أن نرفع اليقظة الاستراتيجية، و ننتبه لما تقوم به عدة أطراف لا تتردد في ضرب الجسد الوطني المغربي بخناجر الغدر و التآمر و الخيانة، لأسباب جيوستراتيجية سبق أن تحدثنا عنها.
فحذاري من عبث العابثين و المتربصين و المتخاذلين عن تأدية مسؤولياتهم في هذه المرحلة. و حذاري من المنافقين الذين اعتادوا أن يأكلوا غلة هذا الوطن، بقبعات متنوعة و من مواقع مختلفة، ليسبوا الملة بعد ذلك، و يمارسوا الابتزاز كلما أحسوا أن الظرف يتيح لهم فعل ذلك. هؤلاء يتحركون بيننا و عقولهم و آذانهم توجود في أماكن أخرى، بعدما مات ضميرهم الوطني على حساب مصالحهم الخاصة.
و بمعزل عن أحداث السياج الحدودي بين الناظور و مليلية، نعيش سياقا تاريخيا حافلا بملفات متشابكة، تحتاج التعبئة للدفاع عن الوطن و عن مؤسسات دولتنا، ضد كل الحملات التحريضية التي تستهدفها. و بالتأكيد لا يجب أن نسكت أمام التهجمات على بلادنا من أطراف تسعى للاستثمار في أي حدث عابر يمكن أن تظهر معه بلادنا بصورة سلبية، بشكل غير مطابق للحقيقة.
في ملف الهجرة غير الشرعية، مواقف المملكة المغربية واضحة، و لا يمكن أن يزايد علينا أحد في حرصنا على الامتداد الإفريقي لبلادنا، و افتخارنا بذلك. فإفريقيا ستظل بيتنا، و تلك قناعة عبر عنها ملك البلاد بقوة، و قالها معه الشعب المغربي أجمع. و أتبعت الدولة المغربية القول بالفعل، حيث لم تذخر جهدا لتعزيز التعاون جنوب – جنوب، و تقاسم تجاربنا مع الشعوب الشقيقة و الصديقة في القارة الإفريقية، بكل حرص على أن تتعزز مسارات التنمية المستدامة في كل المجالات، بنهج تشاركي يجعل المواطنين، و أساسا الشباب الإفريقي، في قلب السياسات العمومية في كل بلد.
تلك هي الحقيقة التي يجب إبرازها في كل المواقع التواصلية، من أجل إسكات الأصوات الغبية التي يحاول أصحابها حشر أنوفهم في ملفاتنا. و بموازاة ذلك، علينا أن نبين للجميع أننا قادرين على تدبير مشاكل واقعنا، و تصحيح اختلالات يتعين معالجتها، ضمن الإطار الديمقراطي الذي تتيحه دولة القانون والمؤسسات، التي يشهد العالم أنها حقيقة ثابتة في المملكة المغربية، في الوقت الذي عجزت كثير من الأنظمة التي يحاول بعضها، الآن، الاصطياد في الماء العكر لملف الهجرة غير الشرعية، أن تمكن شعوبها من ربع ما يتحقق لنا، كل يوم، في وطننا المغرب الذي سيظل كبيرا على العابثين.
لذلك، نقولها بكل قوة : سنستمر في مناصرة وطننا و مؤسسات دولتنا، و لا عزاء للحاقدين. و لا غالب إلا الله، من قبل و من بعد.