أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: الدبلوماسية المغربية الأقوى.. والجزائر تتحسر على فشلها في إيجاد موطئ قدم في ليبيا

الدار/ افتتاحية

لا يمثل فيتو دولة الإمارات العربية المتحدة ضد تعيين الدبلوماسي الجزائري صبري بوقادوم مبعوثا أمميا على ليبيا أول اعتراض يواجه دبلوماسيين جزائريين ويحول دون تكليفهم بهذه المهمة الحساسة. فقبل بوقادوم تعرّض وزير الخارجية الجزائري الحالي رمطان لعمامرة للموقف ذاته قبل سنتين عندما راج اسمه كمرشح لخلافة غسان سلامة في هذا المنصب بعد استقالته في مطلع مارس 2020، لكن تعيين رمطان لعمامرة قوبل بالرفض حينها من طرف دول عديدة من بينها الولايات المتحدة الأمريكية. والظاهر من إصرار الدبلوماسيين الجزائريين على الترشيح لهذا المنصب أنهم لم يفهموا بعد الرسالة الأساسية من وراء هذين الاعتراضين الواقعيين والمنطقيين.

إن هذه الرسالة الصريحة والواضحة التي يُفترض أن يستوعبها المسؤولون الجزائريون هي أن الجزائر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تمثل طرفا محايدا في مسألة النزاع الليبي على اعتبار أنها بلد حدودي وجار لليبيا وأن تاريخ الصراع والنزاع الليبي تأثر في عدة مناسبات بالمواقف التي عبرت عنها السلطات الجزائرية بل وبالتحركات الميدانية العسكرية التي قامت بها على الحدود مع ليبيا، إضافة إلى أن الجزائر كانت من أكثر البلدان معارضة للثورة الليبية ضد نظام القذافي، وسعت حينها في عام 2011 بكل ما تملك من دعم وتأثير إلى الحفاظ على استقرار نظامه وبقائه في السلطة. لا تتوفر الجزائر إذن على معايير الحياد والموضوعية المطلوبة في مجال الوساطات الدولية ومن ثمة فإن كل دبلوماسييها ومسؤوليها يطالهم التجريح في حال تحمّلهم مسؤوليات مشابهة في ليبيا ويظلون غير مرحب بهم تماما من كل أطراف الداخل الليبي.

لم تكن السلطات الجزائرية طوال محطات الصراع الليبي محايدة بالمرة، لقد عبرت مرارا عن دعمها لتيار على حساب تيار آخر، وأعلنت على سبيل المثال خلال فترة النزاع على العاصمة رفضها لدخول القوات الليبية التي يقودها اللواء الليبي خليفة حفتر إلى المدينة. هذا الموقف وغيره أفقد الجزائر تماما حيادها ومصداقيتها المفترضة تجاه نزاع في بلد يفترض أنه ذو سيادة ويحق له أن يدبر شؤونه بعيدا عن التدخلات الأجنبية. لكن الذي يغيظ الجزائر حقيقة في الملف الليبي ويدفعها إلى ترشيح موظفيها ودبلوماسييها لهذه المهمة بإصرار عجيب هو الفشل الصارخ في التأثير على مجريات الأحداث في ليبيا على الرغم من الأمر يتعلق ببلد تمتد حدوده مع الجزائر إلى حوالي أكثر من 900 كلمتر.

إن النظام الجزائري يرى أنه أُخرج من دائرة الصراع الليبي بفعل تدخل قوى أجنبية وعربية ذات نفوذ وتأثير، بينما يكتفي الكابرانات بمراقبة ما يحدث دون القدرة على الدفاع عن موقفهم أو مصالحهم داخل بلد يعد أقرب إلى الجزائر من تركيا وقطر على سبيل المثال. لقد كان جنرالات المرادية يرجون أن تكون لهم اليد العليا داخل ليبيا وأن تكون لكلمتهم القدرة على الفصل والحسم فيما يحدث هناك، لكن ذلك لم يتأتى لهم ليس بسبب حيادهم المزعوم، ولكن بسبب الضعف الذي تعانيه الآلة الدبلوماسية الجزائرية منذ سنوات، وبالضبط منذ اندلاع الحراك الشعبي المُطالب بإسقاط النظام وإقرار الديمقراطية وحقوق الإنسان.

إن الرفض الدولي لتعيين كل من صبري بوقادوم وقبله رمطان لعمامرة كمبعوثين إلى ليبيا ليس سوى عنوان للعزلة الدبلوماسية التي يعاني منها نظام الكابرانات بسبب مواقفه التي تنتمي إلى زمن الحرب الباردة، وإصراره على توظيف موظفيه وهيئاته في ترويج أطروحات أكل عليها الدهر وشرب، فبينما يدعي هذا النظام أنه يسعى إلى إرساء أسس التهدئة والحل السلمي في ليبيا يواصل في الجهة المقابلة زرع بذور الانشقاق والانفصال والنفخ في قضية ميتة عندما يتعلق الأمر بالوحدة الترابية للمغرب. ومادام نظام الكابرانات مصرّا على هذا النهج، فإنه سيواصل مراكمة الإخفاقات وتلقي الضربات سواء من الأمم المتحدة أو إسبانيا أو الولايات المتحدة الأميركية أو من الأشقاء العرب.

زر الذهاب إلى الأعلى