أخبار الدار

تقرير: الوضع الاجتماعي لشمال أفريقيا يغدي رغبة داعش في استقطاب الشباب

"غلوبل سيكيوريتي ريفيو" ترجمة: المحجوب داسع

بعد ثماني سنوات من سقوط  نظام معمر القذافي، لا تزال ليبيا تعيش حالة من الفوضى بسبب انقسامات السلطة، والتباين بين غرب وشرق ليبيا (طرابلس وطبرق)، وكذا النزاعات القبلية. هذا الأمر يؤثر على إعادة بناء مؤسسات الدولة النشطة وعملية المصالحة الوطنية. ففي الوقت الذي تميز فيه الصراع الليبي في المقام الأول بالتحالفات قصيرة الأمد بين الجهات الفاعلة المحلية (القبائل)، لا يمكن التقليل أيضا من شأن تأثير "الجماعات الجهادية" الليبية المتطرفة وشبكاتها.

انتشرت الدعاية المتطرفة خارج ليبيا لتصل إلى المغرب وتونس والجزائر ومصر. رغم أن هذه ليست بظاهرة جديدة، إلا أن دول شمال إفريقيا لا تزال تعاني من هجمات إرهابية كبيرة. تعرضت شركة النفط الوطنية الليبية التي تتخذ من طرابلس مقراً لها ولجنة الانتخابات الوطنية العليا، أخيرا، لهجوم من طرف متشددين لهم صلات بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وتعمل الحركات المتطرفة على زيادة إنتاجها الدعائي وتواصل تهديدها الشديد للأمن الداخلي والإقليمي.

أما تونس فلا تزال غارقة في أزمة اقتصادية عميقة. وتطالب المؤسسات المالية الدولية تونس بإصلاحات هيكلية اقتصادية كبيرة، الأمر الذي أجج احتجاجات التونسيين، وحفز التنظيمات الإرهابية على الزيادة في الدعاية الناشئة عن الشبكات في ليبيا لاستغلال القضايا الاجتماعية والاقتصادية لجذب الشباب الساخطين إلى صفوفهم.

في 28 أكتوبر 2018، فجرت امرأة ليس لها خلفية متشددة معروفة، حسب السلطات التونسية، نفسها. وقع الهجوم في الوقت الذي بدأ فيه الصناعة السياحية الحيوية في البلاد تنتعش من جديد، بعد أكثر من ثلاث سنوات بعد هجومين إرهابيين فتاكين. في 7 مارس 2019، اعترض مكتب بريد في تونس 19 رسالة تحتوي على سموم مميتة محتملة موجهة إلى الصحفيين والسياسيين والنقابيين البارزين. كشفت السلطات المحلية أنه تم إنتاج المواد في مختبر تونسي. مشاكل أمنية حرجة يتعين معالجتها، محليًا وإقليميًا، وربما بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي. تونس والجزائر ومصر شركاء استراتيجيون لأوروبا، وبالتالي فضمان استقرارهم ضروري لتجنب المزيد من الأزمات في المنطقة.

في 10 مارس 2019، أصدرت مؤسسة الأندلس التابعة للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، مقطعًا صوتيًا لخطاب ألقاه أبو عبيدة يوسف العنابي المسؤول في القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي. دافع الخطاب عن الاحتجاجات الجزائرية ضد الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة، وشجع المحتجين على المطالبة بالحكم القائم على الشريعة. على الرغم من أن الجزائر بدأت أخيرًا عملية ضخمة لمكافحة الإرهاب لمنع تسلل الإرهابيين عبر حدود البلاد مع تونس وليبيا ومالي، إلا أن الدعاية المتطرفة لا تزال تمثل مشكلة خطيرة بالنسبة للبلاد.

تواجه جهود الجزائر لمكافحة الإرهاب، تزايد الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر على طول الحدود الجنوبية للجزائر. إن الإرهاب والإجرام مترابطان بشكل متزايد، كما أن الحاجة إلى كسر الصلة بين الاثنين، ازدادت بعد الاضطرابات الاجتماعية التي أدت إلى الإطاحة ببوتفليقة البالغ من العمر 82 عامًا. الاستقرار في الجزائر أمر بالغ الأهمية، لأمن الجزائريين والمنطقة ككل. سيواجه الزعيم القادم للبلاد وضعًا اقتصاديًا صعبًا، والتهديدات المستمرة من الشبكات الإرهابية في مالي وليبيا، والدعاية المتطرفة المتزايدة التي تستهدف التأثير على الأجيال الشابة في البلاد.

وفقًا لنصائح السفر الأجنبية الصادرة عن الحكومة البريطانية، "من المحتمل أن يحاول الإرهابيون تنفيذ هجمات في المغرب، وبالتالي فمن الضروري توخي الحيطة والحذرفي جميع الأوقات. قُتل سائتحان إسكندنافيان بوحشية في المغرب في دجنبر عام 2018. وفي الوقت الذي ذكرت فيه السلطات المحلية أن مرتكبي الجريمة لا ينتميان مباشرة إلى داعش، إلا أن الهجوم – إلى جانب هزيمة داعش الإقليمية في سوريا والعراق – أدى إلى التدقيق المتزايد على البعد غير المتماثل للمجموعة بشكل متزايد.

يعد برنامج "مصالحة" أحد مكونات الاستراتيجية المغربية لمكافحة الإرهاب. تم إطلاق البرنامج في عام 2018، ويهدف إلى محاربة التطرف العنيف. وفقًا للمندوبية العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج ، يقدم خبراء حقوق الإنسان ومكافحة التطرف، الدعم النفسي وإعادة تأهيل الأشخاص المتهمين والسجناء بسبب جرائم الإرهاب. في 10 مارس 2019، وأعلنت السلطات المغربية عن برنامج للعودة إلى الوطن للسماح للمتشددين من أصل مغربي بالعودة إلى البلاد بأمان. كان العائدون يخضعون لتحقيقات قضائية بسبب تورطهم المزعوم في أنشطة مرتبطة بالإرهاب. قدّر رئيس المكتب المركزي للأبحاث  القضائية عدد المغاربة المنضمين الى داعش، ب1.668 مغربي  انضموا إلى التنظيم في سوريا والعراق وليبيا.

في مصر، لا تزال العديد من الخلايا المرتبطة بولاية سيناء (الدولة الإسلامية في سيناء) تعمل وتواصل تهديد الأمن والاستقرار في سيناء. لا تزال مصر تعاني من الهجمات المستمرة ضد المسيحيين والأقليات الدينية الأخرى. إن القضاء على التنظيمات الإقليمية لداعش في سوريا والعراق قد يجبر المسلحين على التدفق إلى مصر.

بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من الهزيمة الإقليمية لتنظيم داعش، فإن الدعاية المرتبطة بالتنظيم، وتحول المجموعة إلى كيان غير متماثل من كيان قائم على الأراضي ستظل تهدد أمن شمال إفريقيا. إن تنظيم الدولة الإسلامية، بالإضافة إلى المجموعات المحلية الأصغر حجماً، قادر على الدفع بتطرف الشباب في سياق إقليمي معقد، يتأثر بشكل كبير بالأزمات الاقتصادية. تمثل الدعاية المتطرفة فرصة وهمية – ولكنها مقنعة – للشباب لكي ينتقلوا من الخاسرين إلى الفائزين. إن كسر الصلة بين الإرهاب والإجرام (وخاصة التهريب) ضروري لتعزيز الاستقرار والأمن الإقليميين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

17 − 13 =

زر الذهاب إلى الأعلى