الدار- خاص
عاد جدل الاختلاف في نسب الأطفال غير الشرعيين، مجددا، الى واجهة النقاش العمومي بالمغرب، مع التعديلات المرتقب أن تعرفها مدونة الأسرة، والقانون الجنائي.
خلال يوم دراسي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، أمس الخميس، خصص لموضوع “مدونة الأسرة من التقييم الى التقويم”، دعا الفقيه عبد الله بن طاهر، إمام مسجد وأستاذ بالمدرسة العتيقة بأكادير، العلماء إلى تجاوز الاختلاف في نسْب الأطفال غير الشرعيين.
وأكد بن طاهر في اليوم الدراسي، الذي نظمته كلية الآداب بالرباط، بتعاون مع الجمعية الجهوية للاتحاد الوطني لنساء المغرب بسلا ومؤسسة رزان للدراسات الاستراتيجية حول الأسرة والمجتمع، أن ” طائفة من جمهور العلماء المسلمين أجمعوا على جواز نسْب الابن غير الشرعي إلى أبيه”.
وأشار المتحدث الى أن ” التعليل الفقهي لنسْب الولد غير الشرعي إلى أمه هو تحقيق المناط، نظرا لواقعة الولادة؛ ولكن تحقيق المناط يجب أن يتحقق أيضا من جهة الرجل وليس من جهة المرأة فقط، وذلك بنسْبه إلى الأب”، مردفا :” نحن في عصر المختبرات والأدلة العلمية، ومن العيب أن نبني الفتوى على ما توصل إليه الفقهاء في عصرهم بناء على الوسائل المتوفرة في عصرهم ونتصادم مع الطب الحديث”.
كما دعا الفقيه عبد الله بن طاهر، الفقهاء المغاربة إلى الاجتهاد لتجاوز الخلاف القائم حول نسب الولد غير الشرعي إلى أبيه؛ وذلك بالانفتاح على مذاهب أخرى وعدم الانغلاق على المذهب المالكي فقط”، مضيفا :” هناك جمهور من العلماء قالوا إن الولد غير الشرعي ينسب إلى أبيه إذا كان غير معروف، وهذا موجود بقوة في الفقه الإسلامي، ونحن لا نريد أن تكون مدونة الأسرة مالكية مائة في المائة، بل شرعية مائة في المائة، وهذا يقتضي أن تتحرك العقول، وأن يُفتح نقاش موسع حول هذا الموضوع”.
الاختلاف في نسب الأطفال غير الشرعيين، نقاش حديث قديم في الآن ذاته، فقد حسمت محكمة النقض الجدل حول موضوع الاعتراف بالأبناء المولودين خارج مؤسسة الزواج؛ إذ اعتبرت في قرار صدر عنها في سنة2021، أن الطفل “غير الشرعي” لا يرتبط بأي شكل من الأشكال بالأب البيولوجي لا بالنسب ولا بالبنوة، وهو القرار، الذي أنهى الجدل الذي رافق الحكم غير المسبوق الصادر عن قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية بطنجة قبل أربع سنوات، الذي قضى بثبوت بنوة بنت وُلدت خارج إطار الزواج وأدين على إثر ذلك الأب البيولوجي بأداء تعويض قدره 10 ملايين سنتيم.
قرار محكمة النقض، الصادر سنة 2021، فتح شهية المنظمات الحقوقية وأنعش آمالها في إمكانية ادراج هذا الموضوع في التعديلات المرتقب أن تعرفها مدونة الأسرة، لتتلاءم مع دستور2011، ومع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان ومع روح العصر ورفع كل أشكال الحيف والتمييز التي تكرسها ضد النساء والأطفال.
وترى الحركات الحقوقية بأن اجراء تعديلات على مدونة الأسرة، أمر ضروري لمعالجة بعض النواقص التي تعتريها، والتي أبانت عنها التجربة؛ من بينها الحد من التمييز بين الجنسين، والتحايل على القانون من أجل القيام بتعدد الزوجات، والولاية القانونية للمرأة، وحق الطفل في النسب من أبويه البيولوجيين.
وينتظر أن تعرف مدونة الأسرة تعديلات مهمة، بعد 17 سنة من اعتمادها، لملاءمتها مع واقع الحال والمقتضيات الجديدة التي تضمنها دستور 2011 والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة، وكذلك بالنظر الى عدد من العوائق التي تعيق تطبيقها على أرض الواقع، كما أكد على ذلك جلالة الملك محمد السادس، في خطاب عيد العرش الأخير.
كما شدد جلالة الملك محمد السادس على ضرورة التزام الجميع، بالتطبيق الصحيح والكامل، للمقتضيات القانونية لمدونة الأسرة، وتجاوز الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود، التي تم الانحراف بها عن أهدافها، إذا اقتضى الحال ذلك، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية.