الدار/ تحليل
تميمة أثارت الكثير من السخرية، حافلات مخصصة لنقل طواقم المنتخبات تعود لبداية الألفية، ملاعب أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مرقعة، أخطاء وهفوات تواصلية… هذه فقط بعض من العثرات والكوارث التنظيمية التي تسبق انطلاق كأس إفريقيا للمحليين المزمع تنظيمها في الجزائر خلال الشهر الجاري. لم تبدأ بعد مباريات هذه البطولة وبدأت زلّاتها التنظيمية تظهر في الأفق. الحفل الذي أعلن فيه عن تميمة البطولة يستطيع تلاميذ ثانوية أو إعدادية تنظيمه بشكل أفضل من ذلك. لماذا يصر نظام الكابرانات على تقديم صورة رجعية ومتخلفة عن الجزائر وعن شعبها وكفاءاتها؟
هذا سؤال يجب أن يطرحه اليوم وبصوت مرتفع كل جزائري غيور على بلاده. من حق كل الجزائريين أن يعرفوا أين تذهب مواردهم وأموالهم إذا كانت لا تضمن على الأقل تقديم صورة تقدمية وحداثية عن البلاد. لم ينس الجمهور الجزائري بعد الهفوات التنظيمية الكارثية التي شابت فعاليات دور الألعاب المتوسطية المنظمة مؤخرا بوهران، عندما ظهرت اللوحات الإشهارية الموجودة في جنبات الملعب الرئيسي مستندة إلى أكياس من الرمال مخافة أن تسقط على الأرض. هل من المعقول أن تكون الحافلات المخصصة لنقل اللاعبين المشاركين في دورة “الشان” بهذا التقادم والتخلف في بلد يحقق سنويا فوائض مالية هائلة من مبيعات البترول والغاز؟ من العار أن ينقل الجزائريون عن أنفسهم صورة بهذا السوء والتخلف ويظهروا أقل تقدما وتنظيما من دول أخرى في القارة الإفريقية استطاعت توفير لوجيستيك أفضل بكثير من هذا الذي تعرضه الجهات المنظمة في الجزائر.
بالأمس صدر تقرير عربي عن حالة البنيات الطرقية في العالم العربي، وحصل المغرب على معدلات تضعه في مصاف الدول الخليجية كالسعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت، بينما حصلت الجزائر على معدل يقل عن دول عربية فقيرة تعاني من ويلات الحروب وعدم الاستقرار. لا يمكن تفسير هذه “البهدلة” التي تمر بها صورة الجزائر إلا بهذا النهج المتعنت لنظام عسكري يصر على إغلاق البلاد على كافة المستويات ويواصل العيش والاقتيات على الكذب والشعارات الرنانة بينما تزداد الفجوة بينه وبين العالم يوما بعد يوم.
هل سينظم حفل العشاء على شرف المنتخبات المشاركة في بطولة “الشان” أيضا في شيراتون مثلما حدث مع قادة ورؤساء الدول المشاركة في القمة العربية الأخيرة؟ إنها مهازل الكابرانات التي لا تنتهي، وبدلا من أن ينشغلوا بها وبترميمها وإصلاحها، يحاولون اليوم بإعلامهم الموجه تعويم النقاش الحقيقي بالتركيز على موضوع مشاركة المغرب غير المؤكدة في هذه البطولة. الذي ينبغي أن يشغل هذا الإعلام ويثير حفيظته حقا هو هذا المستوى التنظيمي الهزيل الذي بدأت بوادره تلوح في الأفق، وينذر بحدوث فضائح حقيقية خلال البطولة القادمة على الرغم من أنها تظل بطولة غير ذات أهمية كبرى قاريا أو دوليا.
هذه الصورة الرجعية المتخلفة التي تضع الجزائر في صورة مشابهة لأنظمة حجرية ككوريا الشمالية أو سوريا هي التي ينبغي أن تمثل حقا ملفا ساخنا لكل المحللين الإعلاميين المنشغلين في غالبيتهم بالتطبيل ومسح “الجوخ” لنظام متهالك ينفق أموال الجزائريين ومقدراتهم في تقديم صورة سيئة عن البلاد ويؤكد بالصوت والصورة فعلا أن كل ما يروج عن معاناة الجزائريين مع ضروريات العيش اليومي ليس سوى غيض من فيض هذا الانحسار الفكري والزمني الذي تعيشه بلاد يبدو أنها لم تخرج بعد من حقبة الثمانينيات. ولهذا ينتظر الجميع أن يكتشف المواطن الجزائري من جديد في هذه البطولة المسافات الضوئية التي أضحت تفصل بلاده عن العالم، بل وعن البلدان المحيطة به في جواره العربي والإفريقي، لعلّه يستفيق من غيبوبة التضليل التي يغرق فيها رغما عنه.