
الدار/ تحليل
لماذا تبرأ الجزائريون فجأة من لقب الفنك أو الثعلب الصحراوي الذي كان المنتخب الجزائري يلقّب به منذ زمن طويل؟ كيف أصبح رأس أسد الأطلس أيضا مطلوبا اليوم في بلاتوهات واستوديوهات إعلام الكابرانات؟ جدل ونقاشات وهوس لا حدود له يجتاح هذا الإعلام بكل ما يمتّ للمغرب بصلة. إذا تم جرد الكلمات الأكثر تداولا هذه الأيام على أفواه المحللين والإعلاميين الجزائريين لن تخرج عن دائرة الانتماء المغربي: فوزي لقجع، أسد الأطلس، جبال الأطلس، الخطوط الملكية المغربية، كأس العالم للأندية… وغيرها من المفردات التي تظهر كيف فقد هذا الإعلام بوصلته وبدلا من أن ينشغل بفضائحه الداخلية المتعلقة بالمهزلة التنظيمية لكأس إفريقيا للمحليين يضلّ الطريق في إفرازاته النفسية المرضية التي لا تنتهي.
من يجهل أن آخر أسد من أسود الأطلس شوهد في جبال المغرب في أواخر الثلاثينيات قبل أن ينقرض تماما من الطبيعة، ومن يجهل أيضا أن أكثر من 60 بالمائة من مساحة سلسلة جبال الأطلس تتواجد على التراب المغربي، وأن أعلى قمم هذه السلسلة توجد أيضا في بلادنا وبالضبط في منطقة الأطلس الكبير التي يصل علوها إلى 4165 مترا في جبل توبقال الشهير. فجأة وبين عشية وضحاها يريد الإعلام الجزائري أن يصادر هذه المعطيات الجغرافية والبيئية التي لا يمكن بالمناسبة تغييرها أو تعديلها لأنها موثّقة في كل الموسوعات العلمية العالمية ومن أهمها الموسوعة البريطانية الشهيرة. إذا كان أسد الأطلس أسدا جزائريا كما يزعم المعتوهون في إعلام الكابرانات فهل تمتلك حديقة الحيوان في الجزائر العاصمة أسدا واحدا من أسود الأطلس؟
لا يزال أسد الأطلس يعيش في بعض حدائق الحيوانات المعدودة على رؤوس الأصابع في العالم، ومنها حديقة الحيوان بالرباط. لكن الأهم من هذا هو أنه من الغباء تصور أن حيوان ما يمكن أن ينتمي إلى جنسية معينة. نحن لا نزعم في المغرب أن أسد الأطلس، مغربي، فهو حيوان كان يعيش على امتداد منطقة شمال إفريقيا كلها، وقد تعرّض للانقراض من الطبيعة تدريجيا خلال فترة الاستعمار الفرنسي بسبب الصيد المفرط. وقد اشتهر بتسمية أسد الأطلس لأن أغلب المجموعات التي كانت تعيش منه كانت تتواجد في المناطق الجبلية الممتدة من هذه السلسلة. وبما أنها سلسلة جبلية تتركز في الجزء الأكبر منها بالمغرب فمن الطبيعي أن يكون هذا الحيوان رديفا للمناطق المغربية، ومن هنا جاءت فكرة اعتباره رمزا دالا على المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم، مثلما يحمل المنتخب الإيفواري لقب الفيلة والمنتخب السنغالي لقب أسود التيرانغا والمنتخب الجزائري لقب الثعلب الصحراوي المعروف بالفنك.
إن الواقع لا يرتفع، ولا يمكن تغيير الحقائق العلمية والتاريخية والجغرافية فقط من خلال فتح سجالات صبيانية داخل الاستوديوهات وفسح المجال لمن هبّ ودبّ كي يساهم فيها ويدلي برأيه ومواقفه. ومن المخجل أن يكون أصلا هذا الموضوع قضية تشغل وقت واهتمام قنوات تلفزيونية يفترض أنها تستضيف خبراء ومحللين ورياضيين يزعمون أن لهم تجربة وقدرة على قراءة وتحليل الشأن الرياضي. هناك قضايا رياضية أهم بكثير من لقب الثعلب أو الأسد تستحق الاهتمام والمتابعة، لعلّ من بينها مثلا مدى مساهمة القرارات السياسية المتخذة من طرف الكابرانات في الإساءة للبطولات التي تنظمها البلاد وكذا لإمكانيات التنافس التي يمكن أن يستفيد منها المنتخب الجزائري لكرة القدم بمشاركة منتخب كالمنتخب المغربي. كان أولى إذن بهذا الإعلام المعسكر أن ينتقد ما يحدث من تسييس للرياضة في بلاده وتحويلها إلى ذريعة للاستمرار في القطيعة مع بلد جار كالمغرب على الرغم من كل مبادرات اليد الممدودة التي قدّمها للجزائر.