أخبار الدارسلايدر

هل يعجل بلاغ الديوان الملكي برحيل بنكيران ومراجعة داخلية للبيجيدي؟

من المؤكد أن بلاغ الديوان الملكي الذي وبّخ حزب العدالة والتنمية على مواقفه المتطاولة فيما يتعلق بتدبير الشؤون الخارجية للمملكة سيكون له ما بعده. لقد دعا الأمين العام عبد الإله بنكيران أعضاء الحزب مباشرة بعد صدور بلاغ الديوان الملكي إلى عدم التعليق عليه بأي شكل من الأشكال، وعدم تقديم أي تصريح حوله، إلى حين اجتماع الأمانة العامة للحزب لتدارس الموضوع. ولم يحدد توجيه بنكيران أي تاريخ لهذا الاجتماع، لكن من الواضح أن نيرانا داخلية قد بدأت تستعر داخل حزب العدالة والتنمية بسبب هذا الخطأ الفادح الذي ارتكبته الأمانة العامة بتدخلها السافر في نطاق الاختصاصات الملكية، وتطاولها على الشأن الخارجي بشكل يتصادم مع المصلحة الوطنية.

وتبدو هذه الهفوة الجديدة لبنكيران كالجبل الذي سيسقط على رأسه، فهي ليست كسابقاتها من الهفوات التي اعتاد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية مراكمتها في تصريحاته ومواقفه من شتى القضايا السياسية والنقاشات العمومية والاجتماعية المطروحة على الساحة. لقد تبين أن بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الذي اتهم وزير الخارجية ناصر بوريطة بالدفاع عن إسرائيل في إفريقيا، وقلّل من شأن الاختيارات الدبلوماسية الكبرى لبلادنا، كان الهدف منه سياسيا صرفا، وهذا هو سرّ التقريع الشديد الذي تلقاه الحزب من الديوان الملكي، الذي لا يترك أبدا المجال مفتوحا أمام أي خطأ قد يسيء لمصالح البلاد في الخارج. في هذا السياق نتذكر ما حدث لصلاح الدين مزوار الذي تم تقريعه بالحدة نفسها عندما قرر الخروج عن مسار الثوابت الوطنية فيما يتعلق بالمواقف من الشؤون الداخلية للدول الأخرى بما في ذلك الجزائر.

والتوبيخ الشديد اللهجة الذي تلقاه حزب العدالة والتنمية بدا واضحا من الاتهامات الدقيقة التي وجهها البلاغ الرسمي إلى الأمانة العامة للحزب، والتي شملت “المزايدة السياسوية والحملة الانتخابية الضيقة والابتزاز والأجندة الحزبية الداخلية”. هذه التهمة الأخيرة المتعلقة بالأجندة الحزبية الداخلية ستعقّد لا محالة من مهمة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية وقيادات أمانته العامة، وستحدّ من هوامش المناورة أو الرد أو التفاعل التي يعتزمون القيام بها. بعبارة أخرى، سيتطلب الجواب الصادر عن حزب العدالة والتنمية الكثير من التفكير والتدبير قبل الخلوص إلى موقف منسجم من جهة مع توجهات الحزب، ويستجيب من جهة أخرى لمناحي الانتقادات الصادرة عن الديوان الملكي.

فما هو الرد الذي يمكن أن يوازن بين هذين الهدفين؟ بالتأكيد سيتطلب الأمر أولا تراجع الأمانة العامة عن بلاغها السابق، والاعتذار عن هذا التطاول والخروج عن الصف الوطني، وتحمّل المسؤولية الكاملة فيما يخص هذه الهفوة، وهنا ينبغي التوقف عند سؤال مهم: من سيدفع ثمن هذا الخطأ؟ هل سيتحمّله الحزب بصفته المعنوية أم عبد الإله بنكيران بصفته الشخصية؟ من الواضح أن النسق العام للقراءات والتحليلات التي واكبت هذا النقاش، تسير في اتجاه ترجيح كفة انسحاب عبد الإله بنكيران تدريجيا من واجهة تدبير حزب العدالة والتنمية، وتواريه عن الأنظار بعد أن كثرت هفواته وزادت أخطاءه، وتبين أنه فعلا يقود الحزب نحو عزلة قد لا يوافق عليها الكثير من قيادييه الحاليين.

فبعد العزلة التي فرضتها النتائج الانتخابية الكارثية التي حصدها الحزب في انتخابات 2021 التشريعية، تزيد هذه المواقف السياسية غير المحسوبة من إمكانية تهميش الحزب لنفسه، وانعزاله شيئا فشيئا عن دائرة الاعتبار الوطني، بالنظر إلى أنه حزب أدى في مرحلة من المراحل التاريخية الحساسة والمهمة دورا أساسيا في تثبيت أسس الاستقرار وتجاوز محنة الربيع العربي. هذا الدور، لم تنسه أبدا السلطات العليا للبلاد، لكنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يمنح لعبد الإله بنكيران بطاقة بيضاء كي يقول ما شاء، ويعبّر عما يحلو له دون الالتزام بقيود المصلحة الوطنية وعلى رأسها أولوية قضية وحدتنا الترابية.

وإلى جانب الاعتذار وتحمل بنكيران المسؤولية بصفته الشخصية، فمن غير المستبعد أن يعيد حزب العدالة والتنمية التأكيد على تشبثه بالمؤسسة الملكية التي تحكم وتسود، وتتخذ القرارات الاستراتيجية الكبرى من أجل مصلحة الوطن، مثلما تعوّد الأمين العام في خرجاته الإعلامية المباشرة. لكن الخلاصة الأكيدة التي يمكن استنتاجها من هذه الورطة الجديدة أن كل الشروط الموضوعية والذاتية لرحيل عبد الإله بنكيران عن قيادة الحزب قد أضحت متوفرة، وأن حزب العدالة والتنمية بلغ في تطوره التنظيمي مرحلة جديدة تحتاج إلى مراجعات فكرية وداخلية عميقة.

زر الذهاب إلى الأعلى