ماذا بقي من عشاء شيراتون بعد الإعلان عن قمة عربية جديدة؟
ماذا بقي من القمة العربية التي رأستها الجزائر في نونبر الماضي؟ لا شيء غير موقع إلكتروني لم يعد يعمل، وفراغ دبلوماسي غير مسبوق على مستوى التنسيق العربي، وتصريحات دعائية للقادة الجزائريين وعلى رأسهم الرئيس عبد المجيد تبون. لقد كان مؤتمرا عابرا في كلام عابر، كشعارات الكابرانات المعهودة التي كانت تتفاخر بأن رئاسة الجزائر للقمة ستكون هي الأنجح والأكثر فعالية في تاريخ القمم العربية. والنتيجة هي انطلاق التحضير للقمة العربية المقبلة في المملكة العربية السعودية المرتقبة في 19 ماي المقبل، دون أن يبقى في النفس شيء من منجزات القمة العربية في الجزائر، لا قرارات ولا مصالحات ولا بيانات مزلزلة ولا حتى مجرد صور دالة وتاريخية.
القمة التي جرت في يومي 1 و2 نونبر غاب عنها جلّ القادة والزعماء العرب، ولم يحضرها إلا تبون وأمير واحد ورئيسان، وبعض وزراء الخارجية. وفضّل غالبية قادة دول الخليج العربي: المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة، التغيّب عنها. هذا الامتناع عن حضور القمة العربية الذي كان واضحا أنه قرار خليجي منسق، مثّل صفعة حقيقية لكل المحاولات التي بذلها الكابرانات على مدى شهور من أجل إقناع الزعماء العرب للحضور بأعلى مستوى تمثيلي. وبدلا من أن تكون قمة جديرة بشعارها “لم الشمل” كانت إلى حد بعيد تكريسا للخلافات العربية واستمرار الفُرقة والتنازع، دون أن تحقق شيئا يذكر أو يحسب لها.
لم تتحقق المصالحة الفلسطينية كما وعد بذلك الكابرانات، ولم تشارك سوريا بوفدها الرسمي في هذه القمة. ولعلّ الشروع في التحضير للقمة العربية المقبلة المرتقبة وتحديد موعد لها في 19 ماي المقبل أي قبل مرور سنة واحدة على قمة الجزائر أكبر دليل على أنها كانت مجرد محطة عابرة في تاريخ العمل العربي المشترك. ولا شك أن القمة العربية المقبلة في المملكة العربية السعودية ستملأ المشهد العربي تماما لتدفن ما بقي من شظايا ذكريات قمة تبون المزعومة. إنه إقرار عربي بأن اليومين الذين التأم فيهما بعض القادة العرب في 1 و2 نونبر 2022 كانا مجرد محطة مجاملة لا أقل ولا أكثر حتى لا يتعطل سير عمل الجامعة العربية التي تمثل الإطار المؤسسي للتنسيق العربي.
القمة العربية في الجزائر جعلت نظام الكابرانات على الهامش تماما، وكرّست الضعف الدبلوماسي الذي ينخر هذا النظام. والدليل على ذلك أن كل المؤتمرات واللقاءات العربية التي نظمت إبان رئاسة الجزائر للقمة كانت خارج أراضيها وبعيدا عن أي تنسيق معها، بل أحيانا حتى في غياب مسؤوليها وممثليها على أعلى مستوى. القمة الصينية العربية التي نظمت في 9 دجنبر 2022، خلال الرئاسة الجزائرية، لم تحتضنها الجزائر، بل جرت أطوارها في المملكة العربية السعودية، بحضور الرئيس الصيني شي جين بينغ وغياب عبد المجيد تبون. والمؤتمر رفيع المستوى حول حماية ودعم القدس لم تحضتنه الجزائر أيضا، بل تم تنظيمه في 12 فبراير في القاهرة وتم استبعاد الجزائر العاصمة وكذلك الرئاسة الجزائرية، حيث انعقد تحت رئاسة ملك الأردن عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
هذه الإخفاقات التي واكبت تسلّط النظام الجزائري على تنظيم القمة العربية، كانت في الحقيقة أبلغ جواب ورد عربي على كل المحاولات التي بذلها الكابرانات منذ إعلان احتضان الجزائر للقمة. لقد كانوا يعتقدون أن بإمكانهم بفضل فوائض البترودولار السخية استمالة بعض الأنظمة العربية من أجل الدفع باتجاه اتخاذ قرارات كان هدفها الرئيسي هو الإساءة للمغرب ووحدته الترابية. لا يمكن أن ننسى أن الحملة الدبلوماسية التي قادها المسؤولون الجزائريون للتحضير للقمة العربية كانت تتضمن مقترحا باستضافة وفد ممثل عن جبهة البوليساريو بصفة مراقب أو ملاحظ في القمة، فإذا بهم كادوا يجدون أنفسهم خارج القمة التي تنظم في بلادهم.
وقد كان واضحا قبل اجتماع الجزائر في 1 و2 نونبر أن القمة العربية الفعلية قد انعقدت وانتهت قبل أن يصل بعض الزعماء والرؤساء إلى العاصمة الجزائرية. لقد توافقت أغلب الدول العربية الخليجية بالإضافة إلى المغرب ودول أخرى على أهم المواقف والقرارات الخاصة بالعمل العربي المشترك، قبل انعقاد هذه القمة، التي كانت في نهاية المطاف مجرد محطة بروتوكولية كان لا بد منها، ولن يتذكر منها العرب شيئا غير دعوة تبون الشهيرة التي منّ بها على ضيوفه قائلا: “العشاء في شيراتون”.