تحليل إخباري: الأمازيغية تدفع من جديد ثمن الصراعات الحزبية
الدار/ رشيد عفيف
لم تكد اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب تلتئم من جديد لمناقشة مشروع القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية حتى واجهت الباب المسدود بعد إعلان كل من الفريق الاستقلالي وفريق الأصالة والمعاصرة الانسحاب من أشغالها عقب اجتماع يوم الثلاثاء. واتفق الفريقان على ضرورة العودة إلى المسطرة التشريعية العادية. وبينما حمل الفريق الاستقلالي "الأغلبية الحكومية مسؤولية تعطيل المصادقة على هذا النص التشريعي المهم ضداً على أحكام وروح الدستور وانتظارات الشعب المغربي"، اعتبر حزب الأصالة والمعاصرة أن "غياب انسجام بين مكونات الأغلبية قد ييسر عملية التوافق، هو شكل من أشكال تبديد مزيد من الزمن التشريعي لقانون حيوي فاق تأجيل البث فيه كل تصور".
وبهذا الانسحاب يحطم مشروع القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية رقما قياسيا في التداول داخل دواليب المؤسسة التشريعية. فبعد أكثر من ثماني سنوات على الترسيم الدستوري للغة الأمازيغية لا يزال النص التطبيقي يتأرجح بين مزايدات الأحزاب السياسية علما أنه كان موضوعا ضمن قائمة التشريعات التي يفترض أن تصدر في بداية ولاية الحكومة السابقة التي كان يرأسها عبد الإله بنكيران. ومنذ تولي سعد الدين العثماني لرئاسة الحكومة الحالية في 2017 تلقت جمعيات ومنظمات الثقافة الأمازيغية وعودا تلو الوعود بإصدار هذا القانون دون أن تفي الحكومة بذلك.
ومثلما كان الأمر عليه في مشروع قانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي فإن العرقلة ليست صادرة من قوى المعارضة سواء حزب الاستقلال أو الأصالة والمعاصرة أو غيرهما وإنما من الخلاف المزمن داخل الأغلبية الحكومية بين قطبي التحالف ممثلين في حزب العدالة والتنمية وحزب التجمع الوطني للأحرار. وبعد أن ألقى الخلاف بين الحزبين بظلاله على مجموعة من القوانين والإجراءات الحكومية السابقة كمشروع الفوترة الإلكترونية أو قانون منظومة التربية والتعليم ها هو ذا يعمق من جراح الورش التشريعي الأمازيغي المتعثر منذ سنوات.
ويتشبث الإسلاميون بموقف متشدد تجاه قضية الحرف الذي ستكتب به اللغة الأمازيغية، ولا يخلوا موقفهم من محاولة مجانية لعرقلة إصدار القانون. فبينما قبلوا مبدأ استخدام "تيفيناغ" لأنه كان موضوع تحكيم ملكي أقره كحرف مناسب علميا وثقافيا، فإنهم بالمقابل يعارضون التنصيص على هذا الحرف في القانون المذكور ويطالبون بترك تفعيله بدوره لنص تنظيمي يصدر لاحقا في شكل مرسوم بعد المصادقة على القانون التنظيمي. ويثير هذا الاعتراض على تقنين حرف "تيفيناغ" الريبة في أوساط الحركات الأمازيغية والأحزاب السياسية الأخرى لأنه قد ينطوي على المزيد من التعطيل لمشروع تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية.
وبالمقابل يحاول حزب التجمع الوطني للأحرار مدعوما بباقي الأحزاب المشكلة للأغلبية وعلى رأسها حزب الحركة الشعبية ذو الجذور الثقافية والتاريخية الأمازيغية سحب البساط من حزب العدالة والتنمية وتعزيز مواقعهما بعلاقة مع المجتمع المدني الأمازيغي بتبني كل المطالب المرفوعة بما في ذلك تقنين "تيفيناغ". ويتهم حزب العدالة والتنمية حزب التجمع الوطني للأحرار بعدم استشارة برلمانيي "البيجيدي" في إعداد التعديلات التي تم تقديمها خلال اجتماع الثلاثاء. وكان نواب فريق العدالة والتنمية قد رفضوا التوقيع على التعديلات التي أعدها الفريق التجمعي بمعية باقي فرق الأغلبية.
ومن المتوقع أن يساهم هذا الصراع المتجدد بين مكونات الأغلبية وقوى المعارضة في تأخير الحسم في المسألة الأمازيغية بعد أن تم ترسيمها اللغة منذ سنة 2011 عند إقرار الدستور الجديد. وإذا كانت الدسترة قد تطلبت سنوات طويلة من النضال والمطالب والنقاشات في أوساط المكونات السياسية والمدنية، فإن عملية التفعيل على ما يبدو قد تتطلب بدورها حيزا زمنيا طويلا بع أن رُبط الترسيم باعتماد البرلمان لهذا القانون التنظيمي الذي يحدد مسار وطرق تفعيلها، خصوصا في ظل حكومة يقودها حزب إسلامي يراهن على قضايا الهوية للحفاظ على ما تبقى من رصيد شعبيته.