أخبار الدار

ذكرى 16 ماي.. حقوقيون وشيوخ يحذرون من خطر الفهم “المتشدّد” للنص الديني

الدار/ عفراء علوي محمدي

يخلد المغاربة، اليوم (الخميس)، الذكرى الـ16 للأحداث الإرهابية الأليمة التي هزت مدينة الدار البيضاء في 16 ماي 2003، والتي خلّفت مقتل 45 فردا، من ضمنهم 11 انتحاريا؛ الأحداث التي كان لها وقع كبير على نفسية المواطنين، والتي كانت منطلق تغيير المملكة لإستراتيجيتها الأمنية، حيث أصبحت أكثر صرامة في تعاملها مع خطاب التطرف والتكفير.

ولتجاوز خطر "الإرهاب" الذي قد يحدق بسلامة الأمم والمجتمعات، ويجعلها عرضة لمخاطر قد تسفك الدماء بغير حق وتودي بحياة آلاف المواطنين، تكون تيار جديد من الباحثين، يدعو إلى تجديد الفهم الديني ليلائم مجال العلوم التجريبية، ويستجيب لحاجات الواقع الجديدة وتحدياته، وحث العلماء والفقهاء ورجال الدين إلى تشجيع الفكر النقدي ومناهضة التطرف بكل أشكاله.

وفي هذا الصدد، اعتبر مفكرون، وحقوقيون، وباحثون في مجال الدراسات الإسلامية أن محاربة التطرف من منظور شمولي "غير كاف" لمحاربة الإرهاب، مبرزين أن "الفهم الخاطئ للنصوص الدينية، وعدم ربطها بسياقها الاجتماعي وتغيرات العصر الحالي، يشكل النواة الأولى للفعل الإرهابي".

رفيقي: الإرهاب ينبع من فكرة صغيرة دعامتها الكراهية

محمد عبد الوهاب رفيقي، المفكر والباحث في مجال الإسلاميات، سجل أن أصل العمل الإرهابي، في واقع الحال، ينطلق من فكرة صغيرة، تكون في العادة مدعومة بما يعتقد صاحبها على أنها أدلة وحجج، وترتبط هذه الفكرة أساسا بالتكفير ورفض الآخر، لتتطور وتكبر، حسب رفيقي، ككرة ثلج، وتتحول إلى فعل إرهابي مبرر بنص ديني ذو تأويل أحادي الجانب.

والخطير في الأمر، حسب رفيقي، هو استناد الإرهابي وتحججه بنص ديني من القرآن والسنة، "أما تلك النصوص، فنزولها مرتبط بأسباب بسياقات محددة لا يمكن أن نقرأها بمعزل عنها، ولا يجب إفراغها من حمولتها التاريخية وإسقاطها على واقعنا الحالي الحديث"، على حد تعبيره.

وعن العوامل الأخرى التي تحدث عنها رفيقي في تصريح خصّ به موقع "الدار"، يذكر "العوامل النفسية والاجتماعية التي قد تؤثر على الفرد، وتدفعه للقيام بأعمال إجرامية"، لكنه يؤكد، في المقابل، أن النصوص الشرعية، الخاطئة في الفهم، تعطيها "غطاء من الشرعية".

وذكر رفيقي أسبابا أخرى تشكل "دعامة" للعمل الإرهابي، "وهي التراث الفقهي الموروث، الذي يحمل أفكارا وأقوالا وفتاوى ورؤي تأيد التطرف، لكنها أنتجت أيضا في سياقات خاصة، لا علاقة لها بسياقات هذا العصر.

ودعا المتحدث نفسه إلى ضرورة وضع استراتيجية كبرى لمحاربة التطرف في فهم النص الديني، سواء على المستوى الإعلامي، أو على المستوى التربوي، مشددا على ضرورة وضع مناهج تربوية بديلة، وتحسيس المواطنين وتوعيتهم، "كما يجدر على شيوخ الدين أن يجددوا خطابهم الديني، وإعادة النظر في الخطابات الدينية والتراث الفقهي".

وهناك من يعتبر أن فهم الدين لا يتم من طرف الإنسان العادي، الذي يخوض فيه من منطلق شخصي، أي حسب ذوقه ومزاجه ووضعيته ونمط عيشه، بل ينبغي، وفقهم، فهم مقاصد الإسلام وأهدافه اعتمادا على دراسات علماء الدين، الذين يقومون باجتهادات لتأويل النص الديني، من خلال فهمه انطلاقا من مقتضيات العصر، والسياق الاجتماعي والثقافي، وبالتالي "فهم الدين من خارج".

وبالتالي، فالدين، حسب الباحثين، لا يفهم من داخله أي على أساس نصوصه الدينية إلا على مستوى فردي، بل في الفضاء العام، وبالنظر إليه كمنظومة ثقافية، وذلك يكون مستمدا من تجارب إنسانية ومجالات علمية، ومرتكزا على قيم السلام التسامح بين الشعوب، وتقبل الاختلاف، وبالتالي محاربة التطرف الإرهاب، كما يجب اللجوء إلى علماء الدين والشيوخ.

الفيزازي: يجب استشارة العلماء وعدم إفراغ النص ديني من سياقه

الشيخ السلفي محمد الفيزازي يسير في الاتجاه نفسه، حيث قال، في حديثه لـ"الدار"، إن "الأمم لديها علماؤها، ومجالسها العلمية، وفقهاؤها، والإنسان عندما يترك جمهرة العلماء والفقهاء، ويقوم بما يفتي فيه عقله، أو يأخذ الفتوى عبر مصادر أخرى مشبوهة، مثل مواقع التواصل الاجتماعي والحسابات مختفية وراءها أسماء مستعارة، فهذه مشكلة يجب محاربتها".

وتابع الفيزازي يقول إن جميع الشباب الذين سقطوا في فخ اقتراف الأعمال الإرهابية "لم يلجؤوا للعلماء، واعتبروا أن مشايخ المغرب الكبار قد باعوا دينهم وعقيدتهم، وهذا تكفير وجهل بمقاصد الإسلام الحقيقية، ومن الواجب على جميع الأطياف أن تبذل مجهود لتحصين الناس والشباب والأطفال بالتوعية بالفقه الصحيح، مع ضمان المراقبة الأمنية الكفأة والجدية"، على حد تعبيره.

القاسم المشترك الذي يجمع الإرهابيين، حسب الفيزازي، هو فهمهم الخاطئ للنص الشرعي، وخصوصا "مفاهيم الجهاد والقتال والحرب والعزوة، فغالبا ما يشتقونها من نص قرآني أو نبوي نبتور من سياقه وسابقه ولاحقه"، وأبرز أن هذا يساهم في نشأة تشوه في الفهم، يؤدي بالتالي إلى تشوه في الفعل.

"كل هذه المشاكل الإرهابية والظواهر الدموية مردها الأول والأخير هو الجهل، الجهل بالنصوص الدينية وسماحة الإسلام ومقاصد الشريعة الحقيقية"، حسب ما أكده الشيخ السلفي، الذي تابع بالقول إن الحل للتغلب على الإرهاب هو "التسلح بالعلم، واعتماد الحوار والنقد والوسطية والاعتدال في كل شيء، مع تربية الناشئة والتوعية على الفهم الصحيح".

وبمناسبة الذكرى الأليمة لـ16 ماي، تحركت مختلف جمعيات المجتمع المدني للتحذير من خطورة الفكر المتطرف وتداعياته، أبرزها حركة ضمير التي دعت، في بيان لها، لمواجهة التطرف عن طريق مراجعة الموروث الثقافي الديني، الذي "تدعمه أقطاب التشدد الوهابي سياسيا وإيديولوجيا".

هذا وأوصت حركت ضمير بجعل يوم 16 ماي موعدا وطنيا سنويا لمواجهة والتنديد بالعمليات والمخططات الإرهابية "الجبانة" التي تستهدف كل البلدان أو تتربص بها ومنها المغرب بدعوى الدفاع عن صحيح الدين، "فيحين أن في ذلك توجه مغرض منبثق من إطار الصراع بين المعسكرين الغربي والشرقي من أجل السيطرة على العالم وليس نصرة الإسلام".

الوديع: التشدد "وهابي" في الأصل والإسلام دين العيش المشترك

صلاح الوديع، رئيس حركة ضمير، يقر، في تصريح لـ"الدار"، بخطورة هذه الحركات الإرهابية، ويؤكد على أنها سبب رئيسي لانتشار الفعل الإرهابي وتقويته، بالإضافة لـ"الفهم غير السليم للنصوص الشرعية، والاعتقاد بأن العنف والكراهية ومناهضة الاختلاف من أساسيات الدين الإسلامي".

وزاد الوديع بالشرح يقول "المسألة فيها سوء للفهم السليم للإسلام، ومشايخة التطرف المعروفين كانوا يستغلون الدين لخدمة أجندات ضيقة لا علاقة لها بمصالح المسلمين ولا بمصالح البلدان والمجتمعات التي ينتمون إليها"، بل على العكس تماما، فهي "تخرب هذه المجتمعات وتدخلها في قوقعة معزولة عن العالم الخارجي"، على حد قوله.

وأكد أن المصائب التي حلت بالإسلام والمسلمين "منبثقة من هذه الإستراتيجية "المقيتة"، والتي، مع الأسف، تظل بقاياها وأثارها قائمة ما لم نتوجه إليها بالنقد والتجفيف، وهذه المسألة تتطلب منا أن دعو جميع ذوي الاختصاص من فقهاء وباحثين اجتماعيين وسوسيولوجيين أن يتم الانكباب في هذه اللحظة التاريخية على ثراثنا الديني كله، وعلى تشذيبه بشكل حاسم من كل ما من شأنه أن يصوغ مثل هذه التوجهات القاتلة".

واعتبر أن هناك من الجرائم الكثير التي يتم تبريرها بالإسلام وبالنصوص الشرعية، بالإضافة لخلق الكراهية والعنصرية بين الأديان والاستعلاء عليها، "وكلها أمور سلبية يجب محاربتها وتوعية الأفراد وتربية الأطفال على قيم التسامح والعيش المشترك، وبالتالي نحن ندعو إلى تخليص المناهج التربوية والبرامج التعليمية من كل هذه الأمور، كما ندعو إلى تربية الناشئة إلى التسامح تجاه معتنقي الأديان الأخرى، وعلى عدم احتقارها، واعتبار أن الإيمان مسألة فردية تهم كل شخص على حدا في علاقته بخالقه، ولا تهم الآخرين نهائيا".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة عشر − ستة =

زر الذهاب إلى الأعلى