سيارة الهيدروجين.. المغرب يدخل سباق الكبار ويكرس استثنائه الإقليمي
الدار-خاص
تقديم نموذج لأول سيارة تُنتَج في المغرب والنموذج الأولي لمركبة تعمل بالهيدروجين طورها مواطن مغربي إنجاز جاء ليكرس المكانة الخاصة التي أضحت بلادنا تحظى بها في خارطة الصناعة العالمية. لا يتعلق الأمر بنماذج أولية طفولية كتلك التي رأيناها في تجارب مضحكة لبلدان مجاورة وإنما بمشروع صناعي متكامل وحقيقي يدمج البعد التكنولوجي والبيئي والصناعي والتجاري في آن واحد. يتعلق الأمر بسيارتين إحداهما ستمثل المنتج المغربي الخالص من السيارات التقليدية ذات التكلفة المنخفضة، بينما تمثل السيارة الثانية التي ستعمل بالهيدروجين أول مركبة من نوعها في العالم، وتفتح المجال واسعا أمام سوق مستقبلية واعدة يمكن أن يصبح المغرب أحد روادها العالميين.
وبغض النظر عن التفاصيل التقنية والمالية المتعلقة بهذين المشروعين لا بد من الوقوف هنا عند الدروس والخلاصات السياسية الكامنة وراء هذا المنجز. أول هذه الدروس هو تكريس الإرادة السياسية للمملكة من أجل الإقلاع الصناعي لبلادنا. إذ لم يكد يمضي عام واحد عن إعلان المهندس فوزي النجاح عن اختراعه للسيارة ذات المحرك المعتمد على الهيدروجين حتى تحوّل هذا الاختراع من مجرد نموذج أولي إلى مشروع صناعي قائم يتم التحضير حاليا لإطلاقه من أجل الشروع في تصنيع هذا النوع من السيارات. وهذا يعني ان الإرادة السياسية أضحت كلها موجهة نحو التنفيذ والتسريع في الإنجاز والعمل والقضاء على الإجراءات الروتينية التي كانت في الماضي تعرقل مثل هذه المشاريع وتقتلها في المهد.
الدرس الثاني هو أن بلادنا أضحت اليوم موطن استقطاب لأبنائها من المهاجرين المقيمين في دول المهجر. ملايين المغاربة يعيشون اليوم في أوربا وأمريكا وغيرهما من مناطق الأرض، لكنهم يرتبطون ببلادهم ارتباطا وثيقا، ولا أدل على ذلك موجة العبور الواسعة التي تشهدها الموانئ والمطارات المغربية خلال فترة الصيف حيث يُستقبل مئات الآلاف من المغاربة العائدين لقضاء عطلتهم الصيفية في البلاد. لكن العودة التي نتحث عنها اليوم هي عودة مؤسِّسة وبانية لمغرب جديد. وبلادنا تسير في هذا المضمار على خطى الكثير من بلدان العالم التي استفادت كثيرا من أبنائها المقيمين في الخارج كما هو الحال بالنسبة إلى إيطاليا التي استفادت من جاليتها المقيمة في الولايات المتحدة الأمريكية والبرتغال وإسبانيا اللتان استفادتا خلال الثمانينيات من جاليتيهما المقيمتين في فرنسا ودول أوربا الغربية.
المغرب لم يعد يفتح فقط موانئه ومطاراته وفنادقه وأسواقه لأبناء الجالية، بل يمهد أمامهم أيضا الطريق من أجل نقل خبراتهم وكفاءاتهم إلى بلدهم الأم وتوظيفها في عملية التنمية والتطوير التي تجري ببلادنا. فوزي النجاح شاب نشأ في بلاد الغربة لكنه فضل أن يطلق مشروعه من وطنه الأصلي. والدرس الثالث الذي لا يقل أهمية أيضا عن سابقيه هو هذه العزيمة الوطنية الواضحة من أجل الريادة الإقليمية والقارية. المغرب لم يعد يتسابق من أجل إنتاج الطماطم أو تصدير التمور أو اكتشاف البترول، على الرغم من أهمية كل ذلك طبعا في المجال الاقتصادي. المغرب اليوم يريد أن يقتحم عوالم اقتصاد المعرفة ويقطف ثمار العولمة الاقتصادية ويكسب قصب السبق في ميادين تطوير الصناعات الصديقة للبيئة.
وهذا يعني أنه يبحث عن التميّز النوعي بعد أن تجاوز مرحلة التفوق الكمي. فالطاقة الإنتاجية لبلادنا من السيارات وصلت اليوم إلى 700 ألف سيارة سنويا، يصدر منها 90 في المائة. لكن الهدف اليوم هو البحث عن هذا التميز النوعي والكيفي من خلال نموذج السيارة المعتمدة على طاقة الهيدروجين، الذي يمثل بدوره مشروعا مستقبليا يراهن المغرب على تطويره والتميز فيه. على سبيل المثال ستستثمر ألمانيا وحدها ملايين الدولارات من أجل تطوير مشروع ضخم لإنتاج الهيدروجين ببلادنا، وهو المادة التي تعد اليوم بلا منازع طاقة المستقبل التي سيتنافس الكبار على إنتاجها واحتكارها. لذلك ينبغي لنا أن نفخر بما يتم إنجازه على هذا الصعيد التكنولوجي لأنه سيمثل لا محالة ضمانة مستقبلية أكيدة لاستثناء مغربي جديد.
المصدر: الدارـ و م ع