بصمات فضالية.. الحلقة 13 مع الأخصائية الاجتماعية عائشة عزيزي
الدار/ إعداد: بوشعيب حمراوي
لكل مدينة وقرية رائدات ورواد، بصموا بمعادن نفيسة في سجلات تاريخها الحضاري. ساهم كل من زاويته وتخصصه في نهضتها وتطورها في كل المجالات..
مدينة الفضاليين.. ومشتل قبائل المجدبة وزناتة والشاوية… واحدة من تلك المدن التي تحتفظ بأرشيف ثقيل ووازن يستحق الذكر والتذكير والإشادة.. مدينة حظيت باسم ملكي (المحمدية)، نسبة إلى الملك الراحل محمد الخامس.. واستحقت في فترات من صيرورتها أن تلقب بمدينة الزهور والرياضات الأنيقة. بفضل نساءها ورجالها المبدعين، المكافحين.
نسعى من وراء سلسلة (بصمات فضالية)، أن نسلط الضوء على هؤلاء وأولئك الذين واظبوا على إشعاع نور الأمل والتحدي والمثابرة بالمدينة. شخصيات محلية تألقت في مجالات متعددة محليا ووطنيا ودوليا.
نجوم فضالية برزت في كل مناحي الحياة.. كانت القدوة والقائد و النموذج التنموي المفروض أن يحتذي به الأطفال والشباب… وسيكون لمآثر ومعالم ورموز المحمدية نصيب من هذه السلسلة.. حيث الحديث عن قصص مثابرة وتحدي وكفاح ونجاح وتميز وصمود … تشهد بها المدينة وسكانها وكل الوطن..
عزيزي رائدة العمل الاجتماعي الإنساني التطوعي بامتياز
نسجت عائشة عزيزي الأخصائية الاجتماعية ومديرة أول مركز للتأهيل الاجتماعي بالمغرب بساطا مكنها من التحليق عاليا في مجال التطوع والعمل الإنساني. فقد بصمت على مسار عسكري ومدني أدخلها موسوعة رواد الخير والإحسان من بابه الواسع، وجعلها قدوة يقتدي بها كل الراغبين في تقديم خدمات مجتمعية.
شخصية عزيزي تعرف لدى كل الفضاليين بالصدق والإخلاص والمبادرات الخيرية اتجاه كل الأصناف والفئات العمرية. وقد تركت بصماتها واضحة داخل المئات من الأسر والنفوس. وكانت وراء إنقاذ مجموعة من الأطفال وانتشالهم من التشرد والضياع، ووضعه على سكك صحيحة مكنتهم من ضمان مستقبلهم والاعتماد على أنفسهم.
الدراسة والتكوين بالمغرب وباريس
ولجت عائشة عزيزي المدرسة الابتدائية بقرية صغيرة تسمى امزورن بإقليم الحسيمية، أواخر الستينيات. وهي فترة كان من الصعب تقبل الأسر حينها فكرة تدريس الفتيات. لكن والد عائشة كان له رأي مخالف، فناضل من أجل تكوينها علما أنها كانت الفتاة البكر في العائلة. وكانت تلميذة نجيبة، مما يجعلها تتفوق في دراستها، وتفوز بمحنة الاستحقاق من أجل إتمام دراستها. حيث انتقلت إلى مدينة تطوان، مسقط رأس والدتها، حيث أتمت دراستها الإعدادية والتأهيلية. لتحصل على شهادة البكالوريا سنة 1978.
كان لعائشة حب وشغف بالعمل الإنساني الاجتماعي والخيري منذ صغرها. وكان والدها يعتمد عليها منذ صغرها في كل صغيرة وكبيرة. فتحملت المسؤولية في طفولتها وشبابها. فكانت رغبتها في العمل الاجتماعي والخيري.
كان لها ما أرادت. بعد أن اجتازت بنجاح في نفس السنة، مباراة الأخصائيات الاجتماعية، بالمدرسة الملكية الوحيدة بالرباط. وقضت تكوينا بها مدته أربع سنوات. تخصصت خلالها في علم الاجتماع. كانت عائشة ضمن أول فوج مغربي للأخصائيات الإجتماعية، يضم 12 فتاة. تخرجن من المدرسة الملكية لتكوين المساعدات الاجتماعيات. وقد تم تسليمهن الدبلومات من طرف الملك الراحل الحسن الثاني. وكبار المسؤولين العسكريين. بعدها أتممت دراستها بالعاصمة الفرنسية باريس. حيث تخصصت في علم السيكولوجيا الاجتماعية.
العمل مساعدة اجتماعية ضمن السلك العسكري
عادت عائشة إلى المغرب لتشتغل ضمن مؤسسة الأعمال الاجتماعية العسكرية، التي تترأسها الأميرة للا مريم. وكانت قد تخرجت معهم في نفس السنة. استقرت بتطوان، بعد أن اشتغلت بالسلك العسكري وكانت مكلفة بكل ما يلزم عائلات العسكريين في مجال المساعدات الاجتماعية. كانت السند والداعم لنساء العسكر وأطفالهم. تصاحب الأطفال في دراستهم وصحتهم، وتقف إلى جانب اليتامى والأرامل. وخصوصا بكل ما يتعلق بالوثائق والمسالك والدعم المادي والمعنوي.حيث استحقت عن جدارة عملها كمندوبة العمل الاجتماعي في السلك العسكري. إضافة إلى أنها كانت دائمة التكوين المستمر. والمشاركة في الندوات والمؤتمرات الخاصة بالعمل الاجتماعي.
بعد فترة العمل بتطوان، تم افتتاح أول مركز لمحاربة الإدمان بطنجة، حيث تم اختيارها للإشراف عليه لمدة ثلاث سنوات. أحدث كأول مركز بالمغرب سنة 1984. وكانت أول تجربة لها مع مصاحبة المدمنين وتشخيص داء الإدمان وما يترتب عنه من تدمير للذات والأسر. كانت تشتغل مع العسكريين والمدنيين، تنقب عنهم بالمدينة ليلا ونهارا من أجل التوعية والتحسيس والاحتضان والعلاج. وتلقيح المشردين منهم ضد الأمراض والأوبئة واحتضانهم صحيا واجتماعيا قدر المستطاع.
صدفة الانتقال إلى مدينة المحمدية
تحكي عائشة عن انتقال المفاجئ إلى مدينة المحمدية. وكيف أنها عشقت تلك المدينة بمن خلال تلك الزهور والورود التي كانت تغطي محيط محطة القطار. لمحت جمالها وهي مستقلة القطار من طنجة إلى البيضاء. قال إن القطار توقف للحظات بمحطة المحمدية التي لم أكن تعرفها. فسألت زوجها الإعلامي المعروف عزيزي. عن اسم هذه المدينة الجميلة. فرد عليها بأنها مدينة تعرف باسم (مدينة الزهور والرياضات الأنيقة). جدبها الاسم وما شاهدته من حدائق ومشاتل على طول السكة الحديدية. فقررت حينها البحث عن سكن بالمحمدية والاستقرار بها.
ماكان على الزوج إلا القبول برغبة زوجها. ليتم الانتقال إلى المحمدية بداية سنة 1987، وتنتقل بعدها للعمل كمسؤولة على العمل الاجتماعي العسكري بالدار البيضاء الكبرى. وهو ما مكنها من خوض تجارب اجتماعية أخرى. حيث تعاملت مع الجرحى من الجنود المرابطين بالصحراء المغربية. ومع أرامل الجنود ضحايا الحرب القذرة مع جمهورية الوهم وصنيعتها الجزائر.
قالت إن العمل كان مختلفا، حيث كانت تتكفل بكل الأمور الإدارية والاجتماعية والطبية وحتى النفسية. خصوصا عند سماع خبر مقتل جندي، فقد كانت تعمل بطرقها الخاصة من أجل مواساة الزوجات والأطفال وتأهيل الشباب منهم. واستمرت في عطاءها وسخاءها حتى سنة 2000. وقد استفادت من عدة تكاوين بالمغرب وفرنسا.
رحلة علاج بأمر من الملك الراحل ولقاء شخصيات فنية وسياسية وصناعية
تركت مبادرة الملك الراحل الحسن الثاني بترحيلها للعلاج بباريس، بصمات يصعب نسيانها. قالت عائشة: كنت في مرحلة التكوين بالمدرسة الملكية سنة 1982، حين أصبت بوعكة صحية. فتلقيت العناية التامة من طرف ملك البلاد حينها الراحل الحسن الثاني، الذي أمر بنقلي إلى أكبر (VALE DE GRACE)مستشفى عسكري أوربي بباريس للعلاج.
رحلة العلاج جعلتها تلتقي صدفة مع مجموعة من الشخصيات. تحكي عائشة أن صادفت الراحل ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الذي كان بدوره مريضا يتلقى العلاج. والذي جالسته في عدة مناسبات، ووجدت في شخصية مفكر وسياسي كبير. كما كان بالطابق السفلي للجناح الذي ترقد به، الراحل الرئيس التونسي السابق لحبيب بورقيبة. كما قيل لها أن الغرفة التي كانت ترقد فيها. كان يرقد فيها المطرب العالمي جاك بريل (فرنسي من أصل بلجيكي).
كما حكت عائشة أن الرئيس المدير العام للشركة العالمية (بوجو)، كان يزورها ويجلب لها الشكولاطة. وأنه في أحد الأيام زارها وهو رفقة شيخ مسن. لتكتشف أنه السيد (بوجو) بشحمه ولحمه أتى لزيارتها وكان عمره حينها 98 سنة.
شخصيات بصمت جزءا من تاريخها
قالت عزيزي إنها تتلمذت على يدي البروفيسور نجمي، داخل المعهد الوطني للانكولوجيا.حيث تمكنت من معرفة كيفية مواكبة المصابين بالسرطان، وخصوصا الذين كانوا في مراحل جد متقدمة.. ولا أمل له في شفاءهم. وتعرفت حينها على المرحوم العربي باطما أحد رواد مجموعة ناس الغيوان، والزجل الغيواني الذي كان حينها يرقد بالمستشفى وقد واكبته في آخر أيامه رحمه الله. موضحة أن البروفسور نجمي هو من كان يقابله، وقد تكلم عنه الراحل العربي باطما في كتابه الذي يحمل عنوان (الرحيل).
كما تتلمذت على يد البروفسور سهام بنشقرون. قالت إنها بدأت العمل الجمعوي محتشم. وتشبعت بخطى وأفكار ومبادرات بنشقرون. هذه الأخيرة التي كانت قد أسست جمعية سمتها (الوزرات البيضاء)، شكلت مكتبها المسير من أطباء وكل من له علاقة بالطب. وكانت أول جمعية كسرت الحصار المفروض على العراق، وعلى غزة. حيث أوصلت إليهما الدعم الغذائي والطبي على متن طائرة خاصة. وتأسف عائشة لأنها كانت تشتغل بسلك حساس ولا يمكنها حينها مصاحبتها، لكنها كانت تشتغل معهم وفق ما يخوله لها القانون العسكري.
قالت إنه بعد أن بادر الكيان الصهيوني إلى بناء سور يسجن فلسطينيي غزة. بادرت جمعية بنشقرون الطبيبة والكاتبة، إلى جلب مجموعة كبيرة من أطفال فلسطين إلى المغرب من أجل استفادتهم من تكوينات في مهن مختلفة سريعة. الخياطة والحلاقة و.. للفتيات، وكذا مهن مختلفة ذكورية.. كما كان الأطفال يستفيدون من مخيمات صيفية.
الإلحاق بمركز التأهيل الاجتماعي المحمدية
كانت عائشة تشعر دائما بأن عمله بالسلك العسكري بحد من عطاءها الاجتماعي والخيري لكل الناس. وهو ما جعل تبادر إلى توظيف فترات العطل وأجزاء من الليل في العمل الاجتماعي المدني.
لكن القدر كان إلى جانبها. ففي سنة 2000، أصدرت وزارة الداخلية دورية للعمال والولاة بالمملكة، تطلب منهم البحث عن أخصائيات اجتماعيات محترفات، وجعلهن رهن إشارة العمل الاجتماعي والخيري. دورية وزارة الداخلية أتت تجسيدا لرغبة الملك محمد السادس الوافد الجديد على رأس المملكة المغربية. والذي جعل من بين أولوياته دعم وتطوير الميدان الاجتماعي.
صادف أن المحمدية عرفت إحداث أول مركز للتأهيل الاجتماعي بالمغرب، وأن السلطات كانت تفكر في كيفية تدبيره باعتباره أول تجربة في المغرب. حيث تم قتراح تعيين عزيزي مديرة للمركز . وتم الاتصال بالمسؤول العسكري الذي وافق. ليتم إلحاقها بالمركز.وإحداث شبكة جمعوية ضمت رجال ونساء أمدنوا العمل الإنساني الخيري (بوكوس، احلافي، بالمامون..)، كانت لديهم رؤية وإستراتيجية.
مركز بصيغة مختبر اجتماعي
عند إحداث المركز، بادر عامل المحمدية حينها إلى إحداث مكتب خاص به داخل المركز. من أجل استقبال الفئات الهشة، في إطار تقريب الإدارة. إلا أنه لم يوفق في مبادرته. عندها تسلمت عزيزي المهمة، وفتحت باب مكتبها لاستقبال الناس ودراسة مشاكلهم الاجتماعية والصحية والإنسانية.. وإيجاد طرق لتسويتها. كما دعمها مكتب الشبكة. تجربة المركز الاجتماعي بالمحمدية، حاولت عزيزي تعميمها. بالاتصال بمسؤولين وجمعويين وإعلاميين بعدة مدن. تم تكوين أكثر من 100 جمعية، ومعظم الجمعيات الرائدة في العمل الخيري والاجتماعي بالمدينة، ولدت وترعرعت داخل المركز، واستطاعت أن تحدث مراكز خاصة بها. فقد كان المركز مختبر اجتماعي بامتياز . ويكفي الإشارة إلى دور الهلال الأحمر المغربي، وجمعية مواساة، وجمعية الأمل، وجمعية القصبة.. أبدعت داخل المركز وأعدت برامج حقيقية وواقعية ونجحت في أهدافها بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
فضلت تقديم الاستقالة والتفرغ للعمل الخير التطوعي
تعرضت عزيزي للمضايقات، بعد اشتغالها بالمركز، حيث التواصل مع المدنيين من كل أصناف وفئات المجتمع المدني. وبلغت تلك المضايقات أشدها حين طلب منها ترك العمل كملحقة والعودة للاشتغال في وظيفتها العسكرية.
كانت متشبعة بالعمل التطوعي، وكان الهدف الوحيد لها، واعتبرته الشمعة التي تنير طريقها والشحنة التي قوت إرادتها .. حاولت عزيزي تجاهل نداءات العودة، مما عرضها للمجلس التأديبي العسكري مرتين. انتهت باتخاذ قرار تقديم استقالتها. وفضلت التفرغ للعمل الخيري الإنساني المجاني رفقة الدكتور بوكوس ومجموعة أخرى من الأطر والكفاءات المتطوعة على مستوى الشبكة الجمعوية، والهلال الأحمر المغربي. ودعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
زوجي هو من خصص لي راتبا شهريا
بعد استقالتها، بادر زوجها إلى تخصيص راتب شهري لها. قالت عزيزي بسخرية : إن زوجها لا يصرف لها راتبها نهاية كل شهر. حيث تضطر إلى انتظار ثلاثة أو أربعة أيام من الشهر الموالي لتتسلم راتبها الشهري. وأضافت بابتسامة الزوجة المثالية : لابد أن ألجأ إلى مندوب الشغل لإنصافي..
قصة الطفلة الخادمة التي عذبتها قريبة وزير سابق واحتضنها عامل المحمدية
أعادت عزيزي لتذكيري بقصة الخادمة (7 سنوات)، التي واكبت معها إعلاميا فترات تعذيبها ونجدتها وإنقاذها. والتي مكنتها من التربية والتكوين ومن الحصول على وظيفة.
قصة الطفلة هالة التي أهملتها أسرتها، وسمحت بتشغيلها كخادمة سنة 2004، لدى سيدة قريبة من وزير سابق للداخلية. حيث بلغ للأخصائية الاجتماعية أن هناك طفلة تتعرض للتعذيب بالضرب والكي بالنار بمختلف جسدها. وهو ما جعلها تزيل كسوة مديرة المركز، وتلبس وزرة الأخصائية الاجتماعية، وتذهب إلى جوار (فيلا السيدة)، حيث ظلت تنتظر خروج الخادمة صباح أحد الأيام الشتوية. بعد فترة خرجت الخادمة ترتعش من شدة البرد القارس، وهي تحمل محفظة ابنة السيدة وبرفقتها الابنة التي كانت تلبس أبهى وأدفأ الملابس. انتظرت عزيزي حتى أوصلت الخادمة الطفلة إلى المدرسة الخاصة. لتذهب إليها وتصافحها.. فكان أول جملة تتفوه به الطفلة الضحية : تبغي ربيني أخالتي..
بكت عزيزي، وحضنت الطفلة. وبدأت تفحص ملامح وجهها وجسدها. لتجده مزركشا بالجروح والكي. فقررت اصطحاب البنت إلى المستشفى وبعدها طرق القضاء. وهو ما أقدمت عليه رفقة زميله الدكتور بوكوس. كما اكتشفت أن السيدة كانت تزيل ملابس البنت التحتية، وتجلسها فوق (مجمر) الحديدي الساخن. مما جعلها تجد صعوبة في التبول إلى درجة التألم والصراخ كلما رغبت في قضاء حاجتها البيولوجية.
وضعية الطفلة الخادمة، بلغت إلى علم عامل المحمدية حينها، والذي يشغل مهمة وال حاليا. فقرر احتضان الطفلة، بعد التأكد من أن أسرتها أهملتها. أخذ الفتاة وعرضها على الأطباء، وعرج بها إلى الدار البيضاء حيث اشترى لها أفخر الملابس، وأثث لها غرفة شبيهة بغرف أبناءه.
إلا فترات العيش الكريم لم يكتب لها الدوام. إذ خرجت بعض الجهات الحقوقية تطالب بمصير الطفلة وأين اختفت وكثر القيل والقال عن طمس ملفها باعتبار نفوذ السيدة.
وهو ما أدى بعامل المحمدية حينها إلى التخلص من الفتاة بدعم من عزيزي، وإلحاقها بمؤسسة بيتي بالدار البيضاء. حيث تلقت الرعاية اللازمة.
مرت السنون، لتفاجأ عزيزي بهاتفها يرن، وفي الطرف الثاني فتاة اسمها هالة. تريد رؤيتها وتأمل في أن تساعدها.. إنها الطفلة الخادمة التي بلغت 21 سنة من عمرها. وهي الآن بمستوى البكالوريا. إلا أن كبر سنها جعل إدارة المؤسسة الخيرية ترفض الاستمرار في احتضانها.
قالت عزيزي : طلبت منها أن تهاتفني بعد ثلاثة أيام لأتدبر أمرها. إلا أنه بعد الوقت المحدد، اتصلت بها هاتفيا لتقول لها إنها بمحطة القطار المحمدية.. كنت رفقة أمي التي سمعت قصة الفتاة فأصرت علي جلبها للمنزل. وهو ما حصل بالفعل. بعدها تدبرت أمر متابعتها للدراسة كمرشحة حرة، وساعدني في ذلك مالك مؤسسة تعليمية خاصة، قبل تدريسها بالمجان. كما أدخلتها للمركز الأمريكي لتعلم اللغة الإنجليزية. وتمكن بعدها من الاندماج في الحياة والحصول على وظيفة.
بصمات واضحة خلال فيضانات 2002 بالمحمدية
بصمات الأخصائية الاجتماعية عائشة عزيزي والطبيب الطيب الدكتور بوكوس ضلت راسخة في أذهان سكان المحمدية، إبان الفيضانات التي اجتاحت سافلة المحمدية سنة 2002، بعد أن قرر وادي المالح استعادة حوضه بالكامل. يقر بها كل من تتبع مراحل تلك النكبة، التي شردت 200 أسرة، ضمنهم 11 عائلة من (ديور السبليون).
وقعت الفيضانات خلال شهر رمضان، وعند ليلة عيد الفطر، كانت كل الأسر مستقرة بمنازل بديلة باستثناء أم عازبة تم حذف اسمها من لائحة المستفيدين.
محاولة إقصاء أم عازبة من سكن إعادة الإيواء
تحكي عزيز أنها ناضلت بكل قواها من أجل ضمان استفادة أم عازبة من سكن إعادة الإيواء، حيث بعدما تم إحصاءها إلى جانب باقي المتضررين، حذف اسمها لأسباب مجهولة.
قالت إن سيدة كانت ربتها تقطن ب(ديور السبليون) .. ماتت أمها بالتبني بسبب تلك الفيضانات الجارفة. حيث عثر على جثتها ملقاة بحديقة مولاي الحسن (المدن المتوأمة سابقا)، بعد أن جرفتها المياه وسط الوحل. وفي نفس اليوم وخلال شهر رمضان، فاجأ حنان الأم العازبة (19 سنة)، مخاض الولادة. وأنجبت مولودها في ظروف جد متدهورة. بعدما كانت ضحية اغتصاب مجهول.
تأسفت عزيزي.. لأن مبرر الإقصاء كما جاء على لسان موظف بالعمالة، كان ظالما في حق الأم العازبة. قالت إن الموظف المسؤول رد على سبب حذف اسمها من لائحة المستفيدين، بكونها مدمنة التدخين والخمور. فقالت له عزيزي لو كان الأمر يتعلق بامرأة ثرية لتم إدخال إدمانها على التدخين والخمور ضمن ما يعرف ب(الكلاص). وحيث هي حنان الفقيرة نأخذ منها منزلها ونتركه مشردة في الشارع. قضية حنان بلغت إلى جهات مسؤولة وطنية، ليتم إنصافها.
راعية الوجه المظلم لمدينة المحمدية
الوجه الآخر للمدينة لا يعرفه إلا أمثال عائشة عزيزي والدكتور بوكوس، وبدأ يعرفه مجموعة من شباب المدينة المتوطعين للقيام بالأعمال الخيرية… هذا الوجه الذي تكتشفه أضواء الليل وظلمته. حيث المشردين بكل أصنافهم.. أطفال.. مسنون.. ذكورا وإناثا.. ينتشرون بالنهار للبحث عن لقمة العيش، أو مصروف الإدمان على المخدرات والخمور.. وما إن تغيب الشمس، حتى تجدونهم يركنون بمحاذاة محلا تجارية وخدماتية أو فجوات منازل أو داخل بنايات مهجورة.. عمل وكد عزيزي ومعها أطقم كثيرة وجمعيات أحدثت مؤخرا مكنت من التخفيف من الظاهرة. واستئصال ظاهرة أطفال الشوارع. تخرج عزيزي ليلا مع طاقمها للقاء المشردين والاستماع إلى حكاياتهم ومعاناتهم. وتعمل على تمكينهم بما تيسر من تغذية وأودية وعلاجات نفسية وتوجيهية..
حكاية ثري مات داخل كوخ ضواحي بوزنيقة
علمت عزيزي والدكتور بوكوس بخبر تواجد أحد الأشخاص يعاني رفقة زوجته داخل كوخ مهجور بضواحي بوزنيقة. انتقل ثناني الرحمة إلى حيث الكوخ، حيث فوجئ الدكتور بوكوس بالشخص الضحية. ودخل في بكاء هيستيري. قبل أن يكشف لصديقته، أن الرجل الذي أمامها كان من أثرياء المغرب. وأنه هو من كان يمد بالمؤونة كل البواخر بالمغرب. وأضاف أنه الشخص كان عندما يكح يقرر الذهاب إلى سويسرا أو الولايات المتحدة من أجل العلاج. ولم يكن يقف في طبيب سوى بوكوس.
ليعلما في بعد أنه تعرض لمرض النسيان، بعد أن تقطع له عرق على مستوى الرأس، وأنه تم الحجر عليه من قبل أبناءه. وترك مهملا مع زوجته الثانية. استمرا في دعمه بالتغذية والعلاج إلى أن توفي داخل الكوخ.
حكايتها مع الأمهات العازبات
عاشت عزيزي معاناة عدة أمهات عازبات، وكانت تستمع إليهم في عدة جلسات إنصات، وتعمل على علاجهم نفسيا ودعهم ماديا ومعنيا.. وتحكى عزيزي عن أم عازبة أنجبت بشاطئ المركز قرب جدران السلالم. حيث قالت إنها نزعت بعض ملابسها وغطت بها المولود. وأنها أكملت ولادتها بالشاطئ قبل أن تستدعي الإسعاف وتنقلها إلى المستشفى.
كما تحكي عن أم عازبة ثانية، فاجأها المخاض تحت جدع شجرة. حيث اضطرت إلى استعمال ثوب (إيزار)، لتغطيتها، وفسح المجال للدكتور بوكوس الذي قام بتوليدها. وعندما نقلتها إلى المستشفى طلبت من عزيزي أن تقول بأنها هي من أنجبت الولد، خوفا من الفضيحة حيث خاطبتها: باينة فيك أنت امرأة لله يعمرها دار.. بغيت منك واحد الطلب.. قولي ليهم أنت لي ولدت الدري..).
فيما تحكي عن أم عازبة ثالثة كانت طالبة جامعية. كانت تواكب وضعها، وعندما حان وقت الولادة، عرجت بها إلى المستشفى، تبكي وتتألم لأنها لا تستطيع أن تنادي أمها أو أي قريب لها. وطلبت من عزيزي أن تدعي أنها أمها..
الأطفال أصبحوا أكثر عرضة لشهوات المنحرفين والمرضى جنسيا
قالت الأخصائية الاجتماعية عائشة عزيزي إن الأطفال أصبحوا أكثر عرضة لشهوات المنحرفين والمرضى جنسيا بمن فيهم بعض الآباء والأقارب والمدرسون، موضحة أنها استمعت طيلة أزيد من عقدين من الزمن لعشرات التلاميذ والتلميذات ضحايا التحرش الجني والإغتصاب. وتوقفت عزيزي عند استفحال ظاهرة الاغتصاب التي يتعرض لها تلاميذ وتلميذات مجموعة من المؤسسات التعليمية في المغرب، إلى درجة أنها شملت أطفالا في ربيعهم الثالث أو الرابع.
وتأسفت للتفكك الأسري، غياب الدور التربوي والأخلاقي داخل المؤسسات التعليمية، والدور السلبي الذي تلعبه وسائل الإعلام المرئية والشبكة العنكبوتية. وهو ما أدى إلى هتك عرض العشرات من الضحايا الذي انقطعوا عن الدراسة وفشلوا في استعادة وضعهم العادي بين أسرهم وأصدقائهم، وسط محيط لا يرحم. وانتهى بهم المطاف إلى الانحراف والضياع، رغم أن أفراد أُسَر بعضهم حاولوا منحهم كل ما أمكن من مصاحبة نفسية وصحية. مشيرة إلى أن أسر باعوا منازلهم وغادروا مدنهم الأصلية في اتجاه مدن أخرى، بحثا عن حياة جديدة لأطفالهم. كما تعرضت بنات دون العاشرة لعمليات افتضاض البكارة، بالعنف أو بالاستدراج، وانتهى المطاف ببعضهن إلى أن يصرن أمهات عازبات يحملن أجنة، ومنهن من أنجبن أطفالا احترن في كيفية تربيتهم وكيفية إعداد وثائقهم وتسجيلهم في المدارس.
أول من فتحت (طابو) ملف الزوجات المغتصبات
ملف الزوجات المغتصبات ملف الزوجات المغتصبات تخصص له الأخصائية الاجتماعية بالمحمدية رفوفا خاصة بمكتبها، تحرص على دوام سريته، كما تحرص على دوام حصص الاستماع للمتزوجات ضحايا الاغتصاب ممن استطعن الوثوق بها، والكشف عن وقائع ما تعرضن له من مآسي دمرت حياتهن، وباتت توشك بتشريد أسرهن. وصفت جرائم اغتصاب المتزوجات بالمرض الخطير الذي تفشى بالمجتمع، وأشارت إلى أنه منذ سنة 2005 عايشت أزيد من 33 حالة اغتصاب لنساء متزوجات، زرن مقر ها قصد الاستفادة من المتابعة الصحية والنفسية بعيدا عن أسرهن.
وأضافت أنه بالنظر إلى هول الحادث وما يمكن أن يسببه من تفكك أسري وفضائح، فإن قلة قليلة من النساء المتزوجات ضحايا الاغتصاب من يتجرأن على الكشف عن الجريمة التي تعرضن لها. وهو ما يؤكد حسب الأخصائية خريجة أول فوج وطني للأخصائيات الاجتماعيات أن حصيلة33 ضحية، تبقى بعيدة عن العدد الحقيقي للضحايا. قالت: لا أملك الكلمات لوصف الحالة التي تكون عليها الزوجة المغتصبة، فالاغتصاب هنا لا يهم الشخص الضحية بل يشمل الأسرة كلها… والزوجة المغتصبة تصل بها الأزمات النفسية إلى حد طلب الطلاق تفاديا لمعاشرة زوجها الذي تعتقد أنها خانته أو أنها لم تعد (حلاله)، أصبحت تخاف أن من النوم، لكي لا تتلفظ في سباتها بكلمات تكشف أمر اغتصابها، ومنهن من تصاب بحالات شرود خطيرة، مؤدية إلى الانهيار العصبي أو الانتحار المفاجئ أو التدريجي باعتزال الحياة العادية والإضراب عن الطعام… فأنا كامرأة مثقفة وعصرية بالمفهوم المتداول أقف عاجزة عن تهدئة الضحايا ودعمهم، وأكاد لا أصدق طرق وأساليب تلك الذئاب البشرية التي تنهش في أجساد نساء عفيفات وحاضنات لأسر وضامنات لاستقرارها…والتي تجعل المتزوجات المغتصبات يقضين بقية حياتهن في لوم أنفسهن عن سبب مرورهن من تلك المنطقة أو خضوعهن لاستدراج قريب كن يعتبرنه أخا وشقيقا… إن ظاهرة اغتصاب الزوجات تهدد كل الأسر، وتستوجب التفكير في آليات وأساليب وقائية، وأخرى تجعل الضحايا يكشفن عن ما تعرضن له من اغتصاب والكشف عن هوية مغتصبيهن ، وتجعل الجناة يتعرضون للعقاب اللازم، وفي الوقت نفسه تضمن لهن سرية الواقعة، وعدم التشهير بهن بمراكز الشرطة والدرك الملكي وبالمحاكم لضمان تماسك أسرهن.
حالات اغتصاب استثنائية من ذاكرة عزيزي
تحكي الأخصائية عن حالات اغتصاب قديمة… كحالة أستاذة متزوجة لجأت إلى زميل لها سابق ومدرس من أجل أن يبحث لها عن منزل للكراء، بعد أن عينت حديثا بالمدينة ، فأخذها إلى منزل فارغ، وأغلق باب المنزل واغتصبها بالقوة. و أربع زوجات تم اغتصابهن من طرف ذئب بشري واحد، كان لازال يصول ويجول أمام أعينهم، يلاحقهن بنظراته الاستفرزية، ويقضي يومه في متابعة خطواتهن منتشيا بجرائمه، هن زوجات لأسر فقيرة يبحثن يوميا عن عمل لضمان مصروف أسرهن. يأتي المجرم على متن دراجة نارية، للبحث عن عاملة للنظافة يوهمها بأن رجل بأن أسرة ثرية تغيبت عنها خادمتها، وهي في حاجة مؤقتة وسريعة لبديلة لها لتنظيف منزلها. حيث يتم استدراج الزوجات بعد انتقاء من يراها أنسب لإفراغ غرائزه الجنسية، ويصطحبها بإذن زوجها أو في غيابه إلى مكان منعزل أو منزل فارغ ليغتصبها بالقوة.
إحدى ضحاياه قالت لها إنه جاء إلى حيها، يسأل عن خادمة اسمها فاطنة لدى أسرة فرنسية بدرب مونيكا، ولما خرجت مجموعة من النساء الفقيرة، بحثن معه على فاطنة التي أوهمن أنه يقصدها، فاقترحت إحدى السيدات عليه، أن تصطحبه زوجة ابنها لتعمل بدلا من الخادمة التي ادعى أنها توجد بالحي نفسه. ولما لمح الزوجة سلم مبلغ مائة درهم لحماتها، وحملها معه على متن دراجته النارية وطفلها الصغير في حضنها، واختلى بها خلف السوق الممتاز مرجان، حيث أرغمها على ممارسة الجنس معه، كما أرغم طفلها على مشاهدته وهو يغتصب أمه. وعمد إلى أزال كل ملابسها الداخلية والخارجية وتركها عارية في الخلاء رفقة طفلها الذي كان حينها في ربيعه الثالث.
بصمة عزيزي واضحة في ثلاث مناسبات فضالية
بصمت عزيزي ومعها الدكتور بوكوس بقوة في ثلاثة مناسبات. أولها عندما عهد إليهما تنظيم إحدى نسخ مهرجان الزهور. حيث تحول الحدث من محلي إلى وطني. وتجاوز الطرب والغناء والرياضة وكل ما هو ترفيهي إلى تنفيذ أعمال اجتماعية أخرى. كعملية التشجير بحي رياض السلام، و التكريمات التي حظيت بها شخصيات رياضية منسية، وبالعديد ممن تركوا بصمات بالمدينة (بنات الفروسية ..). ثانيها فوروم (فرص)، حيث تم تجميع جميع ممثلي جمعيات المحمدية والمقاولات المحمدية، من أجل التأسيس جمعيات ومقاولات مواطنة، وحضر اللقاء سبعة وزراء . وثالثها عملية المصاحبة الاجتماعية لإعادة الإيواء، سواء على مستوى ضحايا فيضانات 2002، أو على مستوى عمليات إعادة إيواء ساكنة دور الصفيح.
مثلت المغرب في ملتقى دولي لعرض تجربتها في إعادة الإيواء
اختارت مؤسسة (فونداسيون بيلكيدس) المغرب من بين خمس دول ، بسبب ما قدمه مركز التأهيل الاجتماعي في مجال طرق المصاحبة الاجتماعية عند عمليات إعادة إيواء ساكني دور الصفيح. وعملت المؤسسة مع إدارة المركز، لمدة ثلاث سنوات في ما سمي بمشروع (ايربيس)، حيث تم إنجاز المواكبة الاجتماعية لجميع الذي رحلوا من ساكنة دور الصفيح.
حيث لم يكن هناك أدنى اهتمام أو تفكير بما يلزم المرحلين داخل إقامتهم الجديدة. فهم في حاجة إلى المدارس والنقل ومراكز أمنية و المراكز الصحية و كل مرافق الحياة اللازمة.. وكانت النتيجة فشل كبير في عمليات الترحيل وإعادة الإسكان. إذ تقول عزيزي كيف يتم إسكان مقعد أو مسن أو من ذوي الاحتياجات الخاصة بشقة في الطابق الأول أو الثاني أو.. وكيف يمكن ضمان عيش رب أسرة يعيش من تربية الدواجن والمواشي.. وأضافت أن المشروع مكن من تموين جمعيات محلية، وجعلها تدعم عمليات إعادة الإسكان.
وقد مثلت المغرب في كينيا وأعطت تجربة المغرب في محاربة دور الصفيح ومثلته كذلك باسبانيا والبرازيل. وكتبت عن ذلك عدة صحف عالمية.
دعوة من البيت الأبيض
الإشعاع العالمي لمركز المحمدية، أدى إلى تلقي عزيزي دعوة رسمية من البيت الأبيض الأمريكي عن طريق السفارة الأمريكية. لزيارة أمريكيا في إطار برنامج (الزوار العالميين). البرنامج عمره 70 سنة. وفي كل سنة يتم انتقاء شخصية من كل دولة، بصمت في مجال ما. يدعون إليه حتى الرؤساء والملوك .. إذ سبق أن تمت دعوة الملك الراحل الحسين والأميرة ديانا.
مكثت لمدة شهرين ضيفة بأمريكا، مثلت المغرب وتحدثت عن تجربة المغرب وطرق التعامل مع الهشاشة والسكان بدون مأوى والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وتم استقبالها حينها من طرف جون كيري في وزارة الخارجية. وكان برنامجا غنيا في التكوين. اختتم بتسليمهم دبلومات.