بلخطاب في حوار مع “الدار”: الفصل 47 محكم وتعديله مطلب سياسوي
الدار/ حاوره: رشيد عفيف
يدافع عبد الحميد بلخطاب أستاذ العلوم السياسية في كلية الحقوق أكدال-الرباط عن الفصل 47 من الدستور باعتباره فصلا محكما لا يقبل التأويل. ويدعم هذا الإحكام بصلاحيات رئيس الدولة الذي يمكنه التدخل للفصل في بعض التعثرات التي قد تنتج عن تطبيق هذا الفصل، مشيرا إلى أن دعاة تعديل هذا الفصل يبحثون عن أهداف سياسوية ضيقة تتعلق بالانتخابات المقبلة.
ما هي قراءتكم للسياق الذي جاءت فيه مطالب تعديل الفصل 47 التي رفعتها مجموعة من الأحزاب السياسية المتنوعة المشارب والاتجاهات؟
في الحقيقة إن النقاش حول الفصل 47 ابتدأ منذ نازلة البلوكاج بعد انتخابات 2016 التي كلف فيها عبد الإله بنكيران بتشكيل الحكومة وتعذر عليه القيام بذلك. لقد عجز بنكيران وحزب العدالة والتنمية عن تشكيل أغلبية برلمانية ومن ثمة أغلبية حكومية. وفي الواقع كان يعتقد في البداية أن الأغلبية العددية في الانتخابات التشريعية كافية لكي تبوئ الحزب الحاصل على أكبر عدد من الأصوات مكانة تشكيل الحكومة غير أنه تبين فيما بعد أن الحصول على هذه الأغلبية لا يعني عمليا من الناحية السياسية أن الحزب المتصدر للانتخابات يمكنه تشكيل تحالفا حكوميا قارا، ومن ثمة طرح حزب العدالة والتنمية فكرة وجود أيادي خفية تحاول بشكل أو بآخر أن تضرب مصداقيته وتزعزع ثقة المغاربة فيه. والواقع أن ما حصل هو أن الانتخابات في ضوء نمط الاقتراع النسبي اللائحي لن تمنح لأي حزب مهما كان عدد الأصوات التي حصل عليها الأغلبية الكافية للحكم بمفرده، ومن ثمة فإن عملية اللجوء إلى التحالفات تصبح مسألة أساسية وضرورية في ظل هذا النمط وعليه فإن حزب العدالة والتنمية فشل في تحقيق هذا الغرض، واعتبر بعض الباحثين والمراقبين آنذاك أن الفصل 47 من الدستور فيه خلل ما بسبب المدة الزمنية الطويلة التي تطلبتها عملية تشكيل الحكومة. وأن ذلك ترتب عنه تعطيل لعدد من المصالح الرسمية للدولة، ومن ثمة كان لزاما أن يتم تعديل هذا الفصل.
هل كانت هذه مبررات قوية لتفسير دعاوى المطالبة بتعديل الفصل 47؟
الإشكال في هذا النقاش أنه كان يستبطن في طياته أيضا عملية تشكيك ربما في السيرورة الانتخابية وفي مصداقيتها. فالفصل 47 في حد ذاته من الناحية القانونية هو فصل محكم لا يقبل التأويل على اعتبار أن بنوده واضحة حيث أن الملك يعين رئيس الحكومة من بين الحزب الذي تبوأ المرتبة الأولى، ومن ثمة لا يمكن تعيين رئيس حكومة خارج هذا الإطار. هذا هو الإطار الذي ينظم العملية برمتها. ولا أعتقد بوجود خلل في هذا الفصل فرغم أنه غير قابل للتأويل إلا أنه لا يستند من حيث قوته القانونية إلى نفسه كفصل مستقل بل هو لا يستقيم تأويله إلا بالرجوع إلى الفصلين 41 و42 لماذا؟ لأن عملية تعيين رئيس الحكومة موكولة قانونيا ودستوريا إلى رئيس الدولة أي جلالة الملك. وحيث أن هذا الفصل لا يحدد مجالا زمنيا معينا لتشكيل الحكومة فإن تقدير هذا الزمن متروك لرئيس الدولة. وما وقع في 2016 هو أن جلالة الملك لم يتدخل وترك الفاعلين السياسيين والأحزاب السياسية تتفاوض فيما بينها وقد طال التفاوض واعتبر آنذاك أن طول مدة المفاوضات كان مضرا للمصالح العليا للوطن، والحال وحيث أن الدستور لم يحدد الفترة الزمنية فإنها تظل مفتوحة ما لم يتدخل جلالة الملك باعتباره رئيسا للدولة وحكما بين المؤسسات إذا ما رأى أن هذه المؤسسات وقع خلل في سيرها.
نلاحظ أن بعض الأحزاب التي دعت إلى تعديل الفصل 47 كانت في وقت سابق تدافع وبشراسة عن تقنين المنهجية الديمقراطية في اختيار رئيس الحكومة. بماذا تفسرون ذلك؟
هذا ما يدل على أن هذه المطالب التي أصبحت تتعالى يوما بعد يوم جاءت أيضا من أحزاب كانت إلى أمس قريب تدافع عن المنهجية الديمقراطية علما أنه لا يوجد أي خلل من الناحية الدستورية في هذا الفصل. ليس هناك ما يشكل لا خطرا على سير المؤسسات ولا إمكانية الوقوع في فراغ دستوري. مطالب إلى هذه الأحزاب تفتقد إلى المصداقية على اعتبار أنها ليست واقعية، وليست نابعة من قناعة سياسية مردها أن هناك خلل في السير الدستوري للمؤسسات، المشكل بالنسبة لهذه الأحزاب هو رغبتها في قطع الطريق على حزب معين كي لا يشكل في المستقبل الحكومة وأيضا هي عملية انتخابوية سابقة لأوانها في ظل الاحتقان السياسي السائد بين الأغلبية والمعارضة، وبين بعض الأطياف الحزبية داخل الأغلبية الحكومية، إنها مطالب سياسوية أكثر منها سياسية، ترتبط بمسألة ضرب مصداقية التحالف الحكومي القائم والتعجيل بسقوطه للدخول في انتخابات سابقة لأوانها.
المبرر الذي قدمته بعض الأحزاب المطالبة بتعديل الفصل 47 هو عدم تماسك الأغلبية وانسجامها. هل لهذا المبرر علاقة بالفصل المذكور؟
لا علاقة لهذا المبرر بالفصل 47 ودون أن أسقط في صف المدافعين عن الائتلاف الحكومي الحالي فإنني أعتقد أن من يدفعون في اتجاه تعديل الفصل 47 هو نفسه من يدفع في اتجاه تعديل نمط الاقتراع اللائحي النسبي بالمغرب، والرجوع إلى نمط الاقتراع الاسمي الأحادي، وأعتقد أن النمط اللائحي يساعد على التعددية السياسية حيث أن كل حزب يمثل داخل البرلمان بشكل متناسب مع حجمه الانتخابي في حدود العتبة التي تضعها القوانين، وهذا يسمح لجميع الأحزاب بأن تكون ممثلة ويمكنها أن تدخل في إطار المشاورات في أي ائتلاف حكومي، أي أن جميع الأحزاب مرشحة إذا حصلت على العتبة أن تكون ممثلة داخل البرلمان. لكن بعض الأحزاب تعتبر ذلك نوعا من البلقنة السياسية وتشتيت لأصوات الناخبين.
أليست كذلك؟
لا إنها فقط نوع من التعدد السياسي الذي يحافظ عليه نمط الاقتراع اللائحي. وهذا يؤكد أن الحديث عن عدم تماسك الائتلاف الحكومي ليس مرده الفصل 47 بل مرده طبيعة نمط الاقتراع النسبي اللائحي الذي يعطي مكانة حتى للأحزاب الصغيرة من أجل التفاوض والدخول إلى الحكومة، مادام أنه لا يمكن لحزب معين بمفرده أن يتقلد مقاليد الحكم دون أن يتحالف مع أحزاب أخرى للحصول على 51 بالمائة من مقاعد البرلمان.
وما العيب في الرجوع إلى نمط الاقتراع السابق الاسمي الأحادي؟
أعتقد أن فيه خطورة على الانتقال الديمقراطي الذي يعيشه المغرب باعتبار أنه نمط لا يترك المجال لا للشباب ولا النساء للدخول للمعترك السياسي ما دام أن المواطنين سيصوتون على الوجوه التي يعرفونها وهو ما يكرس سيادة الأعيان في العملية الانتخابية. لكن نمط الاقتراع اللائحي لا يخلو أيضا من بعض المساوئ حيث أن النتائج التي تتحصل بعد الانتخابات وطبيعة التحالفات التي تتم بعدها لا تكون مطابقة لطبيعة التوجهات السياسية للناخبين، فقد يعمد الناخبون إلى تبويء حزب ما المكانة الأولى من الناحية العددية، لكن ذلك لا يعطيه من الناحية السياسية بالضرورة الحق في تشكيل الحكومة بل يتوجب عليه دائما التحالف مع أحزاب أخرى. وعادة ما يفضي التفاوض إلى مشاريع وبرامج لا تتلاءم مع الوعود التي قدمتها الأحزاب في الحملات الانتخابية.