ما دلالات أزمة غذاء الفقراء في بلاد الكابرانات؟
الدار- ليلى الدريوش
من غير المعقول بتاتا أن ينحدر رئيس دولة إلى مستوى الخطاب الذي بلغه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. لم يسبق أن سمع الناس في أيّ بلاد من هذه الدنيا رئيس دولة يتوعد بأغلظ الأيمان المضاربين في البقوليات من عدس وفول وحمص وفاصولياء بهذا الأسلوب العامي المنحط في الوقت الذي ينبغي أن تتكفل فيه مؤسسات الدولة التي تصف نفسها ب”القوة الضاربة” بهذه المسألة وتجري بخصوصها التحقيقات اللازمة وتتخذ الإجراءات العقابية المترتبة عن ذلك. أما أن يتحول موضوع البقوليات إلى محور في مقابلة تلفزيونية يجريها رئيس البلاد فهذه مهزلة غير مسبوقة ولا يمكن أن نشاهدها إلا في بلاد الكابرانات.
في الوقت الذي يصر فيه هذا الرئيس نفسه على نفخ ريشه وتعظيم بلاده باعتبارها قوة نافذة ومؤثرة في شؤون المنطقة تكذبه أساليب التواصل التي يعتمدها والقضايا التي يركز عليها في الإسهال الإعلامي الذي أصيب به خلال هذا العام. السؤال المحير الذي يطرحه خبراء التواصل ولا يجدون له جوابا هو: لماذا يحرج تبون نفسه ويلزمها بلقاء تلفزيوني شهري في الوقت الذي يمكن أن يكتفي بقنوات التواصل اليومية والروتينية؟ كثرة التواصل تقضي على التواصل كما يقول الفرنسيون، وفي حالة الرئيس الجزائري المشكلة مضاعفة لأن هذا التواصل أصبح مسرحية مفضوحة وكوميدية تغذي قنوات ومنابر التواصل الاجتماعي وصناع المحتوى الساخر.
من الواضح أن تبون يُجلد اليوم على مذبح فشل الكابرانات في إدارة البلاد، ويُدفع دفعا كحائط صد من أجل التضحية به عما قريب بسبب هذه المهازل التي لا تنتهي، ويبدو من عملية إخراجها الإعلامي أنها توظف في إطار الصراع الداخلي بين أجنحة السلطة. فالجزائر تعاني أصلا منذ زمن طويل من أزمات تموين لا تنتهي، تدل عليها طوابير الزيت والحليب والسميد المعروفة. لكن أزمة البقوليات في عز الصيف تعكس فشلا ذريعا من نوعين: فشل إداري في مراقبة الأسواق وتدبير الاستيراد والتحكم بالأسعار، وفشل إعلامي هو هذا الذي تعكسه المقاربة المضحكة للرئيس الذي أقسم إن أمسك من يقف وراء هذه الأزمة أن “يجعله يندم على اليوم الذي وُلد فيه”.
هل هذا هو الجواب الذي ينتظره الشعب الجزائري المكتوي بنار الغلاء والأزمات التي لا تكاد تنتهي؟ من هنا يظهر جليا أننا أمام نظام مرتبك تماما لم يترك لنفسه حيز التصرف الرصين الذي يليق بالدول التي تحترم نفسها وتدير قضاياها بمنطق المؤسسات والحكامة الجيدة. الرئيس الجزائري لا يمثل في نهاية المطاف سوى تلك الواجهة التي تحاول الصمود لإخفاء نظام متهالك ومريض فشل على كافة الأصعدة وأصبح عاجزا حتى عن توفير أدنى الاحتياجات بما فيها غذاء الفقراء الذي تمثله البقوليات في بلد ما فتئ يتبجح بتوزيع ملايين الدولارات كهبات على شعوب وبلدان وأبناك دولية. هل يعلم أعضاء منظمة بريكس الذين اقترح عليهم تبون تمويل البنك التابع لتكتّلهم بمليار دولار ونصف أن الرجل عاجز عن توفير احتياجات مواطنيه من مواد غذائية بسيطة؟
من المؤكد أن هذه المعطيات لن تخفى على أحد خصوصا بعد أن تكفل الرئيس الجزائري بنفسه مشكورا بمطارحتها على وسائل الإعلام الرسمية أمام ملايين المشاهدين في بلاده. كيف يمكن لنظام يتخبط في أزمات من هذا القبيل ويعالجها بهذه الأساليب التي لا تليق حتى برئيس جماعة قروية أو مدير مصلحة إدارية صغيرة أن يعود من جديد ليصدع رؤوس أبناء شعبه بمناصرة قضايا الشعوب الأخرى!! أولى لتبون والكابرانات أن يناصروا اليوم قدر الفاصولياء والحمص الذي أضحى فارغا في البيت الجزائري وينتظر من يملؤه.