دينامية جديدة للدبلوماسية المغربية لمواجهة خصوم الوحدة الترابية
الدار/ رشيد عفيف
ليست هناك أجواء أكثر ملاءمة لتسجيل تقدم في موقف المغرب في قضية الصحراء المفتعلة من الظروف التي تمر بها المنطقة اليوم. فالنظام العسكري الجزائري الذي لا يزال يقاوم انتفاضة الشارع الجزائري يجد نفسه أكثر من أي وقت مضى محرجا أمام شعبه في تبرير هذا الإصرار على معاكسة الوحدة الترابية للمغرب. والأشهر القليلة الماضية التي عرفت اندلاع الربيع الجزائري المتواصل سجلت مجموعة من التطورات التي تؤكد أن قضية الصحراء تمر بمنعطف تاريخي قد يعقبه في المستقبل القريب أو المتوسط توجه نحو الحل النهائي والشامل. هذا الحل الذي لم يعد من الممكن إلا أن يكون سياسيا.
فبعد الصفعة التي تلقاها الانفصاليون من الاتحاد الأوربي الذي اقر اتفاقية الصيد البحري بشموليتها للأقاليم الجنوبية الواقعة تحت نفوذ المملكة، تلا ذلك موقف أمريكي مؤيد لنفاذ الاتفاقات التجارية مع المغرب على كل رقعته الجغرافية بما في ذلك الصحراء، جاء الدور على الدبلوماسية المغربية لتتخذ مواقف أكثر هجومية في هذا الملف. فبعد الانتقادات التي وجهت لوزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة في تدبيره لعدد من الملفات والقضايا وعلى رأسها العلاقات مع بعض البلدان الإفريقية يبدو أن هناك توجها نحو تقوية اللهجة الدبلوماسية في مواجهة خصوم الوحدة الترابية وأمام الحلفاء من القوى الدولية.
هذا ما نستشفه من تدخل الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال أمام لجنة الـ24 التابعة للأمم المتحدة، والذي يعد خطابا بلهجة غير مسبوقة. إذ لم يتردد هلال في محاصرة السفير القائم بالأعمال الجزائري خلال الجلسة بسيل من الأسئلة التي تظهر تورط الجزائر من قمة الرأس إلى أخمص القدمين في ملف الصحراء. أسئلة محرجة تلقاها المسؤول الجزائري تهم كل أبعاد التورط الجزائري التاريخي في افتعال قضية الصحراء، بدء بتسليحها للبوليساريو وإيوائها على أراضيها مرورا بممارسة الضغوط الدبلوماسية الدولية لفائدتها وصولا إلى اقتراحها التاريخي بتقسيم الصحراء بين الصحراويين.
هذه المداخلة القوية التي عرفتها أشغال اللجنة الأربعة والعشرين جد هامة في السياق الدولي الحالي. ورغم أن اللجنة الأممية المذكورة لا تمتلك سلطات تقريرية إلا أنها توجه توصيات تحكم عمل باقي الأجهزة التقريرية للأمم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن الذي يبث كل ستة أشهر في مصير ومستقبل بعثة المينورسو المكلفة بملف الصحراء المغربية. ويأتي اجتماع هذه اللجنة لتدارس ملف الصحراء بعيد ثلاثة أيام فقط من قرار اتخذته جمهورية السلفادور يقضي بسحب الاعتراف بالجمهورية الصحراوية الوهمية وتأييد وحدة المغرب الترابية.
وأعلنت الحكومة السلفادورية، في بيان مشترك وقعه وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، ناصر بوريطة، ونظيرته السلفادورية، ألكسندرا هيل تينوكو، بحضور الرئيس السلفادوري نجيب بوكيلي، أن "حكومة السلفادور تبلغ حكومة المملكة المغربية بقرارها سحب اعترافها بالجمهورية الصحراوية وبقطع جميع الاتصالات مع هذا الكيان". وذكر البيان المشترك أن "هذا القرار سيتم إبلاغه للأمم المتحدة وللمنظمات الإقليمية المعنية". وأكد البيان أن "حكومة السلفادور تدعم الوحدة الترابية للمملكة المغربية وسيادتها الوطنية، وكذا مبادرتها للحكم الذاتي باعتبارها الحل الوحيد لهذا النزاع الإقليمي".
ويعتبر هذا القرار ضربة جديدة يتلقاها الكيان الانفصالي خصوصا في أمريكا اللاتينية التي شكلت في وقت سابق خلفية لدعم الانفصاليين نظرا للتأثير الكوبي الكبير على جمهوريات أمريكا الوسطى إبان حكم الاشتراكيين واليسار. وعلى ما يبدو فإن الدور الكوبي المؤثر في الجوار اللاتيني تراجع كثيرا منذ وفاة الرئيس السابق فيديل كاسترو الذي كان أكبر الداعمين للانفصال في الصحراء. وتربط بين البوليساريو وكوبا علاقات قوية حيث مثلت هذه الجمهورية اللاتينية لعقود طويلة بدعم من الجزائر خلفية للانفصاليين من أجل الشحن الإيديولوجي حيث كان العشرات من الطلبة الانفصاليين يتلقون دراستهم في هذه الجزيرة.
ويمكن القول إن ما يحدث في الجزائر من انتفاضة أثرت على موقف العسكر وتراجع الدعم الكوبي بعد رحيل كاسترو يعتبر فرصة تاريخية لتحقيق المزيد من المكتسبات في ملف الصحراء وحشد الدعم الدولي لخيار الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب، وكذا الحسم في هذا النزاع الذي يعتبر أطول نزاع إقليمي مفتعل. فهل ترفع الدبلوماسية المغربية هذا التحدي بنجاح؟