تونس 2023 : عام بطعم الخصاص في أغلب المواد الأساسية
عاش التونسيون طيلة العام الذي شارف على الانتهاء سيناريوهات قاسية تسبب فيها النقص الحاد والمستمر لمعظم المواد الأساسية والمقترنة بارتفاع حاد للأسعار الأمر الذي أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي لدى أغلب التونسيين.
ووجد التونسيون أنفسهم بين مطرقة الندرة وسنديان الغلاء لتأمين احتياجاتهم من السلع الغذائية الأساسية التي نفذت من الأسواق الداخلية لا سيما الزيت والسكر والأرز والخبز والدقيق والحليب.
وموازاة مع ذلك، أطلقت السلطات التونسية، منذ أشهر، حملة واسعة لمحاربة الاحتكار والمحتكرين الذين يسيطرون على مسالك توزيع المواد الأساسية.
ومع استمرار فقدان المواد الأساسية ذهب المحللون إلى أن هذا النقص راجع، بالأساس، الى أزمات مالية وخصوصا النقص في العملة الصعبة.
وتأتي هذه الأزمة في سياق اقتصادي متدهور للبلاد تعمق منذ أحداث 2011 والذي طال القدرة الشرائية للمواطنين فيما زادت نسب البطالة التي بلغت خلال الربع الأول من العام الجاري 16.1 في المائة.
كما ارتفعت نسبة التضخم، وفق ما أكده المعهد الوطني للإحصائيات الى 10.1 في المائة (وهي الأعلى منذ 40 عاما) .
ويرى الخبراء في الاقتصاد أن نسبة التضخم التي ارتفعت بتونس سنة 2023 انعكست سلبا على مستوى المعيشة وأثرت على الوضع الاجتماعي للتونسيين نتيجة ارتفاع الأسعار وتراجع التصدير الخارجي، فضلا عن تقلص رصيد تونس من العملة الصعبة.
وحسب الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي، أرام بلحاج، فان الدولة التونسية ساهمت في تفاقم الوضع المتعلق بنقص المواد الأساسية خلال 2023 ، وذلك بسبب عدم إيفائها بتعهداتها في كل ما يخص منظومة الدعم، وهو ما أدى إلى بروز ظاهرة الاحتكار والمحتكرين.
وأكد في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء ” غياب استراتيجية واضحة للأمن الغذائي بتونس”، وهو ما أدى إلى حصول نقص هائل في عدد من المواد الأساسية الضرورية للمواطن على غرار الأرز والخبز والقهوة والسكر والحليب ومشتقاته “.
وأضاف أن الأزمة في المخزون التعديلي للحليب الذي لم تقم الدولة بمضاعفته، أتت نتيجة “التقاعس في محاربة تهريب الأبقار إلى دول مجاورة”.
كما أن سيطرة بعض المنتجين في غياب سياسة واضحة للدولة على السوق وعدم تصدي السلطات التونسية لغلاء الأعلاف أدى إلى تواصل ارتفاع الأسعار.
وألقت الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها على أزمة نقص المواد الأساسية بتونس جراء عدم توفر الحبوب، كما أن أزمة الجفاف التي تعاني منها البلاد والمتزامنة مع أزمة نقدية ومالية، مع تراجع المحاصيل الزراعية إلى مستويات خطيرة دفع تونس الى الاعتماد بشكل مباشر على الاستيراد لتأمين حاجاتها الغذائية الأساسية.
وشهدت تونس أسوأ المواسم الفلاحية في تاريخها، وهو ما فرض لجوء البلاد إلى قرض بقيمة 150 مليون دولار من البنك الدولي، لتأمين السيولة اللازمة لاستيراد الحبوب من الخارج.
ودفعت هذه الأزمة بالرئيس التونسي، قيس سعيد، إلى دعوة المسؤولين في مكتب الحبوب (الجهة الرسمية المحتكرة لتوريد القمح الصلب واللين في الداخل) إلى تحمل المسؤولية في هذا الظرف، متوعدا بمحاسبة وتطهير الإدارة من موظفين قال إنهم “يعملون لمصلحة أطراف سياسية بهدف تجويع الشعب والتنكيل به”.
ورغم تخبط التونسيين في أزمة نقص المواد الأساسية إلا أن الحكومة التونسية تعتزم سنة 2024 مواصلة التخفيف من عبء الدعم عن بعض المواد الحياتية على غرار الخبز، وذلك من خلال الرفع من أسعاره، إضافة إلى مشتقات الحبوب والمعجنات إلى حين بلوغ حقيقة الأسعار العالمية في 2026.
ويرى الخبراء الاقتصاديون أنه في حالة المضي قدما في هذا القرار، فانه سيساهم في مفاقمة الأزمة وسيؤدي إلى ارتفاع نسب الفقر بالبلاد بنسبة خمسة في المائة.
كما أن هذا الملف ستكون له تداعيات سلبية على كل المستويات بالبلاد بينها مزيد من ارتفاع الفوارق بين الناس وتوسعة دوائر الفقر.
المصدر: الدار- و م ع