الدار/ افتتاحية
ينتظر الجمهور المغربي تحقيق حلم الفوز بكأس إفريقيا للأمم منذ أكثر 48 عاماً بعد أول وآخر لقب حققه المنتخب الوطني للكرة القدم سنة 1976. ولعلّ المباراة الأولى التي خاضها أشبال وليد الركراكي في منافسات الدور الأول ضد المنتخب التنزاني أكدت بالملموس أن النخبة الوطنية جاهزة لوضع بصمتها التاريخية في هذه البطولة، وربّما معانقة الحلم الذي يساور ملايين المغاربة. لقد بدا واضحا خلال هذه المباراة مدى التفوّق الذي يتمتع به عناصر المنتخب الوطني على نظرائهم التنزانيين تقنيا وبدنيا ونفسيا واتضح بجلاء أن المنتخب الذي لعب نصف نهائي كأس العالم بقطر 2022 وصل إلى ساحل العاج مرشحا وليس مجرد مشارك.
صحيح أن الخصم لم يكن من العيار الثقيل. لم يواجه أسود الأطلس منتخبات كبيرة بعد من حجم المنتخب المصري أو السنغالي أو النيجيري. لكن هذا لا ينفي أيضا أن العناصر التي تشكل النخبة الوطنية تمثل حاليا دون مبالغة خيرة اللاعبين الأفارقة المحترفين في أكبر دوريات كرة القدم الأوربية الإنجليزية والإسبانية والإيطالية وغيرها. وما يبعث الثقة في النفوس بعد مباراة تنزانيا أن الفوز لم يكن صعبا، لقد جاء بسهولة كبيرة وسيطرة كاملة على مجريات المباراة، مع تأكيد لاعبي المنتخب الوطني على عنصر مهم كنّا نفتقده كثيرا في البطولات السابقة ألا وهو حسّ الجدّية والمسؤولية في التعاطي مع الخصم. لم يسقط زملاء رومان سايس أبدا في فخ استسهال لاعبي المنتخب التنزاني وتعاملوا معهم بعقلية احترافية عالية.
إذا تعمّقنا أكثر في المعطيات التقنية الخاصة بهذه المباراة، يمكن أن نستخلص بعض الامتيازات التي يمكن أن يؤسّس عليها الناخب الوطني المزيد من التوجيهات فيما يخص المقابلات القادمة. أولاً اتضح بجلاء أن المنتخب الوطني يتمتّع بتنوع كبير في الخيارات الهجومية والبدائل المتاحة لبناء العمليات. لم يكن هناك أيّ تركيز على جهة معينة بل لاحظنا كيف كانت الفرص السانحة تأتي من كل الاتجاهات سواء تعلّق الأمر بالأجنحة أو بوسط خط الهجوم أو العمق إلى غير ذلك، علاوة على الخطورة التي شكّلتها طبعا الكرات الثابتة. ثانيا من الواضح أن قوة المنتخب الوطني تكمن في دكة البدلاء الغنية التي يمتلكها. وسيكون هذا العامل بالمناسبة عنصرا حاسما في هذه البطولة التي تواجه فيه جلّ المنتخبات ظروفا مناخية صعبة تؤثر كثيرا في جاهزية العديد من اللاعبين وقدرات تحمّلهم.
ثالثا يبدو أن المنتخب الوطني انتصر نفسيا في هذه المباراة قبل أن ينتصر تقنيا وبدنيا. السمعة التي خلقها هذا المنتخب خلال المونديال الأخير ونجوم العيار الثقيل الذين يضمهم بين صفوفه تمثل عناصر تفوّق مسبقة في مواجهة العديد من المنتخبات الإفريقية لا سيّما المتوسطة التي ليس لها إرث تاريخي كروي عريق على غرار منتخب تنزانيا الذي واجهه أسود الأطلس في المباراة الأولى. رابعا لا بد من التنويه إلى أهمية دور المدرّب وليد الركراكي في تحفيز اللاعبين ودفعهم إلى تقديم أفضل ما لديهم مهما كانت ظروف المباريات. لقد كان واضحا جدا أن الركراكي ليس مجرد مدرّب بل هو قائد ومرافق بالمعنى الحقيقي للاعبين، كما أن مهمته الحقيقية تبدأ بعد انطلاق المباراة وليس قبلها أو خلال التحضير لها.
خامسا وهذا أهم عنصر يمكن استخلاصه من تجربة مباراة تنزانيا التي انتهت بانتصار ساحق، وهو الدور الذي يمكن أن يلعبه اللاعبون القادة من قبيل رومان سايس في هذه المباراة. من الواضح أن هناك سيطرة كاملة من طرف اللاعبين ذوي الخبرة على ما يجري داخل مستودع الملابس، ولعلّ الخبرة التي اكتسبها اللاعبون خلال المونديال الأخير تمثل عنصرا حاسما في هذا الدور. لقد لاحظنا كيف تدخّل سايس بنوع من الحزم عندما ارتكب اللاعب الشاب محمد الشيبي خطأ في مواجهة أحد اللاعبين ونبّهه إلى أهمية التحلّي بسلوك احترافي لأن المنتخب الوطني في غنىً في مثل هذه المباريات عن البطاقات الصفراء التي قد يظهر أثرها لاحقا على التشكيلة الوطنية. هذه الامتيازات الخمس سيكون لها دور بالغ الأهمية في إدارة مباريات هذه البطولة والتنبؤ بالمفاجآت التي يمكن أن تميزها.