ما الذي يمكن أن يجعل زيارة سيجورنيه رحلة ناجحة؟
الدار/ افتتاحية
الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه قد تكون أهم زيارة يقوم بها مسؤول فرنسي في هذا المنصب منذ فترة طويلة. أولا لأن الوزير المعنيّ بهذه الزيارة لم يألُ جهداً قبل فترة ليست بالبعيدة في محاولات التعبئة السياسية ضد المغرب في البرلمان الأوربي، وإثارة زوبعة من الضغوط بدعاوى الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان. وثانيا لأنه يمثل النسخة الثانية من الحكومة الفرنسية الحالية التي شهدت في الآونة الأخيرة تعديلا حكوميا مؤثرا. وثالثا لأنها تأتي مباشرة بعد اللقاء الذي جمع بين السيدة الأولى في فرنسا بريجيت ماكرون وصاحبات السمو الأميرات للا مريم، وللا أسماء، وللا حسناء بقصر الإيليزيه.
لكنّ مكمن الأهمية البالغة لهذه الزيارة هو المرحلة الحاسمة التي وصلت إليها العلاقات بين البلدين فيما يتعلّق بإدارة ملف غاية في الأهمية بالنسبة إلى بلادنا: قضية الوحدة الترابية. يجب أن نتفق أن العلاقات المغربية الفرنسية علاقات تاريخية وراسخة، وهي تسير في مختلف مناحيها بأفضل الأحوال وأسرع التحولات. هناك تعاون تجاري واقتصادي كبير، والمصالح المشتركة في توسّع مستمر سواء على مستوى الاستثمارات أو الهجرة أو التبادل الثقافي. لكن النقطة الوحيدة التي ما تزال تشكل عقبة أمام المزيد من الانسجام والتناغم هي استمرار فرنسا في التحفظ بشأن التكيف مع التطورات التي شهدتها القضية الوطنية.
بعد الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء والموقف الإسباني الشجاع الذي اعترف صراحة بجدوى مبادرة الحكم الذاتي وكذا تفاعل الكثير من الحلفاء والأشقاء مع هذه التطورات من خلال فتح قنصليات وتمثيليات دبلوماسية في الأقاليم الجنوبية، تواصل فرنسا تجاهل كلّ هذا والتعامل مع المسألة بمنطق: كم حاجة قضيناها بتركها. لكن من الواضح أن المغرب لم يعد يقبل قيادة وشعبا هذا المنطق الفرنسي العقيم. وهو في الحقيقة ودون مبالغة موقف مقصود تبرّره باريس بالتزامات الشرعية الدولية والقانون الدولي. لكنّها مجرد مبررات فهي في الحقيقة تحاول الحفاظ على التوازن بين مصالحها في المغرب ومصالحها في الجزائر. وهذا ما لم يعد مقبولا بالنسبة إلى بلادنا. لأن وحدة المغرب الترابية لا يمكن أن تظل محلّ مزايدة أو استغلال.
لذلك فإن زيارة سيجورنيه إلى المغرب ستكون أولا فرصة للتحضير لزيارة محتملة قد يقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب. وهي بالمناسبة زيارة سبق أن أعلنت عنها وزيرة الخارجية السابقة قبل أن يصحّح المغرب هذا التسرّع في إطلاق مواعيد دبلوماسية من هذا الحجم خارج الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها. وزيارة وزير الخارجية الجديد ستأتي إذا في هذا الإطار: تصحيح أخطاء الماضي وإعادة الاعتبار للأعراف الدبلوماسية، لأن الرئيس الفرنسي إذا كان سيزور المغرب فسيفعل ذلك بناء على دعوة رسمية من بلادنا وتنسيق مع قيادتها. لكن لدينا مؤشرات أخرى صريحة حول هذه الزيارة المرتقبة. لقد صرّح نائب المتحدث الرسمي باسم الخارجية الفرنسية، كريستوف لوموان أن “فرنسا تريد بناء فصل جديد من العلاقات مع المغرب”.
إذا صحّت هذه النوايا فهذا ما يريده المغرب أيضا. فصل جديد قوامه الاحترام المتبادل والوفاء بالالتزامات والثقة، وهو ما لا يتأتى إلا إذا حرص كل طرف على ضمان سيادة الآخر ووحدته واستقراره. وفرنسا دولة عضو دائم العضوية في مجلس الأمن لها مكانتها في الاتحاد الأوربي ونفوذها السياسي العالمي والأهم من ذلك أنها قوة استعمارية سابقة في المنطقة، وليست بمنأى من التبعات التاريخية لكلّ النزاعات التي افتُعلت في إفريقيا. نحن لا نتهم فرنسا بأنها كانت وراء هذا النزاع ومسؤولة مسؤولية مباشرة عنه، لكنّها إلى جانب إسبانيا كانت تملك الكثير من الفرص والإمكانات من أجل طيّ هذا النزاع في محطات عديدة لكنّهما لم تفعلا الكثير لأجل ذلك.
لِنطوِ صفحة الماضي ولنلتفت إذاً نحو المستقبل. زيارة سيجورنيه تحتاج إلى مقومات النجاح. يجب ألّا تكون مجرد زيارة لذر الرماد في العيون وتخفيف ثقل الأزمة الصامتة. المطلوب هو أن تتخذ فرنسا، وهي قادرة على ذلك، قرارات شجاعة وتاريخية لتواكب التحوّلات الدبلوماسية التي تشهدها المنطقة وتلتحق بركب البلدان الصديقة للوحدة الترابية للمغرب، علما أن بلادنا لم ولن تنكر أبدا تلك اللحظات التي وقفت فيها باريس إلى جانب المغرب في الكثير من الأزمات العابرة من قبل.