ما الذي تحتاج إليه المرأة المغربية في عيدها العالمي؟
الدار/ افتتاحية
لا شك أن المرأة المغربية قد قطعت أشواطا طويلة في مسار التمكين والتمتّع بالحقوق وكسب رهان المساواة. منذ أن اعتلى جلالة الملك محمد السادس عرش الدولة العلوية فتح ورش إنصاف المرأة وتحسين أوضاعها الجذرية لكن برؤية إصلاحية تميزّت بقدر كبير من التوازن بين المرجعيات الثقافية المحلية والقيم الكونية الإنسانية المشتركة. هذا النهج في التغيير والتطوير هو الفلسفة التي حكمت عموما كل المبادرات الملكية التي سعت إلى تحسين أوضاع المغاربة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. وكانت مدونة الأسرة التي أقرتها الحكومة المغربية سنة 2003 خطوة جبّارة في مسار هذا الإصلاح الرصين والمتريّث بعد أن فتحت لأول مرة أمام المرأة المغربية مجال التعبير عن ذاتها وتلمّس طريق حرّيتها.
كانت هذه المدونة بمثابة ثورة إصلاحية هادئة استطاعت أن توازن بين الثوابت الثقافية والمتغيرات التاريخية ولأول مرة أصبح بإمكان المرأة المغربية المطالبة بحقّها في طلاق الشقاق وتم تقنين تعدّد الزوجات واعترفت السلطات القضائية بحقّ المرأة في الحصول على تعويض المتعة في حال الطلاق المجحف. وضعت مدونة 2003 أُسس بناء مجتمع يسعى إلى تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، وإدماجها في برامج ومشاريع التنمية ودفعها إلى المشاركة والعطاء في شتى المجالات. ومنذ ذلك الحين خرجت النساء المغربيات ليعبّرن بكل شجاعة عن قدرتهن على رفع هذا الرهان، وهكذا لم يعد هناك مجال من المجالات المحتكرة من طرف الرجال في بلادنا.
دخلت المرأة المغربية بجرأة إلى ميادين السياسة وإدارة المقاولات والإعلام والقضاء، وأصبحت رؤيتها وراء مقود الحافلة أو القطار أو الطائرة أمرا عاديا ومألوفا للغاية. صحيح أن واقع المرأة الاقتصادي والاجتماعي لا يزال أسوأ من نظيرها الرجل، وصحيح أن الفقر والبطالة والأمية لا تزال ظواهر مؤنثة في بلادنا إلا أن هذا التشخيص الواقعي لا ينفي وجود تقدّم هائل ينبغي التنويه به من جهة، والبناء عليه من جهة أخرى. على سبيل المثال مكّنت اللائحة النسائية في البرلمان من تعزيز حضور النساء في الميدان السياسي، وبدأت مطالب المناصفة في هذا المجال تأخذ بعضا من أسس مشروعيتها لا سيّما بعد أن أثبتت النساء المنتخبات جدارة وكفاءة لا تقلّ عن كفاءة الرجال وجدارتهم.
ما الذي يتعيّن القيام به إذاً لتعزيز دينامية إنصاف المرأة وتمكينها؟ هناك خطوات مستعجلة ينبغي الإقدام عليها بكلّ جرأة وشجاعة. أُولاها هي خطوة إقرار المناصفة لا سيّما في المجال السياسي. هناك مطالب ترفعها الحركة النسائية منذ زمن طويل للوصول إلى هذه الخطوة، ونحن نعتقد أن الحقل السياسي الذي يعاني في الوقت الراهن صعوبات في عملية التخليق في حاجة إلى حضور العنصر النسوي بكثافة لربح هذا الرهان وتسهيله. سيكون المغرب إذا أقرّ هذه العملية التي تمسّ سلطة التشريع والتنفيذ أول بلد عربي وإفريقي يُقْدم على هذه الخطوة الهامة للغاية. صحيح أن المناصفة هي موضوع خلافات فكرية وسياسية حتّى في العديد من الدول الغربية، لكننا نظنّ أن الاستثناء المغربي يكمن في هذه القدرة على استباق الواقع والجغرافيا في آن واحد.
والخطوة الثانية المستعجلة للغاية هي المتعلقة بورش إصلاح مدونّة الأسرة. هناك مطالب تقدّمية مرفوعة منذ زمن من أجل الدفع نحو تعزيز حقوق النساء، وعلينا اليوم أن نستفيد من ثمار الحوار الوطني الدائر حولها منذ شهور. المبادرة إلى إقرار هذه الإصلاحات على الرغم من صعوبتها في الظرفية الحالية هو السبيل الوحيد إلى تجاوز بعض العراقيل الثقافية والنفسية التي ما تزال تعطّل ورش التأهيل الأسري والحقوقي في بلادنا. من الممكن أن نتفق جميعا على أن الثوابت الدينية التي يعتزّ بها المغرب ليست محلّ تعديل أو تغيير، وهذا ما أعلنه جلالة الملك محمد السادس في مناسبات عدّة عندما أكد أنه لن يُحلّ حراما ولن يُحرّم حلالا، لكنّ مجال التنزيل الفعلي للمبادئ الشرعية والفقهية يظل مفتوحا أمام اجتهاد العلماء والمختصّين إلى أقصى مدىً، على نحو يحقّق أولا وقبل كل شيء المصالح ويدرأ المفاسد.