أخبار الدارسلايدر

هل تعمّد الرئيس الفرنسي معاملة تبون كطفل في قمة مجموعة السبع؟

الدار/ تحليل

لقد أكثر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على هامش قمة مجموعة السبع التي انعقدت بإيطاليا من الحركات التي استهدفت الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بشكل غير طبيعي؟ من المعروف أن لغة الجسد تمثل وسيطا دبلوماسيا في عالم السياسة والعلاقات الدولية. كل الحركات تكون محسوبة للغاية خلال لقاءات الرؤساء والقادة والزعماء، وتنطوي دائما على رسائل عميقة يحرص البعض منهم على تبليغها إلى الطرف الآخر عن قصد. على سبيل المثال كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يحرص على الضغط بقوة على يد الزعيم أو الرئيس الذي يصافحه لإظهار نوع من السيطرة والهيمنة على الطرف الآخر.
لقد حاول فعل ذلك عندما استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لكن هذا الأخير كان مدركا لهذه الحركة، واستبقها بضغط على يد ترامب مما شكل إحراجا واضحا له. لكن ما رأيناه من مشاهد على هامش قمة السبع في إيطاليا أظهر أن الرئيس الفرنسي ربّما يتعمّد هذه الحركات الجسدية أكثر عندما يتعلق الأمر برئيس الجزائر عبد المجيد تبون. لقد تعمّد أن يربّت على ظهره بشكل مثير للانتباه كأنه يتعامل مع طفل صغير. وزاد هذا الاعتقاد أكثر عندما حرص الرئيس الفرنسي على تنبيه تبون الذي كان منشغلا عن عدسات الكاميرات التي تلتقط صورة للمشاركين في القمة. التفت ماكرون بشكل جادّ نحو تبون وطلب منه أن ينظر إلى الأمام وينهي انشغاله عن الكاميرات.
لكن اللقاء الثنائي الذي دار بين الطرفين كان أكثر إثارة للانتباه على مستوى لغة الجسد. لقد تعامل ماكرون مرة أخرى مع تبون وكأنه طفل صغير أو صديق مقرّب ينتظر المشورة. عناق مبالغ فيه وقبلات اشتياق ولوعة. والذي زاد هذا المشهد غرابة هو أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لم يتردد في ضرب يد وزير خارجيته أحمد عطاف عندما كان يصافح الرئيس الفرنسي، وكأنه يتصرف بمنطق الطفل الغيور الذي يخشى أن يحظى شقيقه أو شقيقته باهتمام أكبر من الوالد أو الوالدة. ولعلّ الرئيس الفرنسي قد انتبه كثيرا إلى هذا الفقر المعرفي للرئيس الجزائري بمسألة لغة الجسد، واستغلّه استغلالا كبيرا بعد أن تحوّل إلى حارس أو أب أو معلم يراقب تصرّفات ابنه خوفا من أن يتجاوز الحدود أو يثير الشغب أو يرتكب بعض الحماقات.
العقلية الاستعمارية ليست بريئة أبدا من هذه السلوكيات والرسائل، لكن من المفروض أن يكون رئيس الدولة واعيا بذلك ومستعدا له لتقديم صورة نموذجية ومحترمة عن بلده بدلاً من التحوّل إلى مادة كاريكاتورية يسخر منها الجميع. لغة الجسد في عالم الدبلوماسية تعكس هيبة الدولة التي يمثلها الزعيم أو القائد، وهو مسؤول عن اتخاذ وضعيات جسدية مشرّفة على الأقل إن لم نقل مؤثرة. ليس من المقبول على سبيل المثال أن يظهر رئيس دولة بهندام غير مرتب أو يرتكب تصرفات رعناء أو طفولية أو يُظهر مشاعر أو عواطف تعكس ضعفه أو هزالة مستواه أو استكانته. والحال أن ما قدّمه تبون مرة أخرى في هذه القمة التي حضرها كان نموذجا دالا على انعدام هذه الثقافة لدى الرئيس الجزائري.
ليست الغاية من هذا الكلام السخرية من الرجل، لأنه أصبح أصلاً مرجعا في مجال التهريج والتصريحات الغريبة وإطلاق النكات، بل الهدف هو التأكيد على أن مزاعم الاستقلالية والهيبة التي يروجها الإعلام الرسمي الجزائري ليست سوى دعايات فارغة تصطدم بواقع ملموس ومرئي تابعه الجميع وشاهده عن قرب، وإثبات فعلي أنّ الجزائر تعتمد على أهزل رجالها وأضعفهم وأقلهم رزانة وكفاءة وقدرة على تشريفها. لكن سيطرة الإعلام التهريجي تحجب مرة أخرى عن الجزائريين إجراء قراءة متأنية وواعية لتصرّفات الرئيس الذي اشتهر بحديثه الدائم عن القطاني والبصل والزيت.

زر الذهاب إلى الأعلى